الإقتباسات

مهد الزمان

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد المختار ووصيه حيدر الكرار وعلى آله الهادين الأطهار ، في الحقيقة لا أعلم كيف أبدا موضوعي هذا ، الذي لا أعتبره إلا حديثاً لا أقل ولا أكثر ، ففي زخم هذه الأحداث نلاحظ أشياء كثيرة ، تبرهن على أن الزمن يجري في مساره الصحيح ، وأن الحكمة الإلهيه تمهد الطرق لزمانٍ أظنه ليس بالبعيد ، فعندما نرى مايحدث الآن من وقائع سياسية وثقافية نعلم أن هنالك نقلة غامضة ستحدث في هذا العالم ، لذلك فلنتكلم عن الناحية الثقافية سنجد أن هذا الجيل ينقسم إلى ثلاثة أقسام ،الأول من أُقفل عقله بعدما نُقشت تعاليمه الدينية ، والقسم الثاني من يتخبط داخلياً مابين تصديق ما إستسقاه صغيراً أو تصديق تفكيره العقلاني والقسم الثالث ، فبدأ بتكذيب تعاليم دينه وقصصها وإنقاد لما يمليه عليه واقعه وعقله ، وإن تطرقنا للأسباب لوجدنا أنها جبرية وعناية إلهية ، ففي زخم التطور الصناعي والحضاري أصبح الجميع دون إستثناء يرون ويسمعون عن طريق هواتفهم الذكية ، وإن نظرنا لما أدت إليه هذه النهضة لوجدنا أنها أغفلت الأهل عن تأسيس أبنائهم دينياً ، وهتكت ستر الكهنوت الديني الذي لطالما كانت أخطاؤه شنيعة إلاّ أنه يجد دائماً من يدفن إجهاضاته الغير شرعية ، وأيضاً إنتشار موضة الإلحاد والعلمانية ، فيأتي طفل ما ليتكلم عن إنكار وجود الله جل جلاله وهو في دائرة تحفيظ القرآن ، أو كأن يأتي طفل آخر يدعي العلمانية ، ليتكلم عن الإنفتاح والحرية الجسدية وهو مازال يحنط أخواته في التوابيت السوداء كيلاّ يفتتن بهن أحد ، وأيضاً إنتشار المتهكمين والساخرين ، إما لغرض التغيير مع أني أرى أن الغالبية العظمى تتهكم وتسخر لأجل الشهرة أو لإدعاء الثقافة والوسطية ، أو ربما كانت لغرض العداء ، أو التثقيف ، وأيضاً كان من ذلك تقارب الحضارات والأديان من بعضها البعض بشكلٍ خيالي ، فأصبح ذلك البدوي الصحراوي يستطيع أن يدخل في فكر وعقل أبعد الناس إليه جغرافياً ، وأبعدهم منه عقائدياً ودينياً ، وبما أن عقل الشاب كالطين المبلول فأنت تستطيع الكتابة عليه ، ومن هذه الأسباب حدث هذا التغير الجذري في ثقافة المجتمع المعاصر ، ولم يبق متمسكاً بتعاليمه الدينية إلا كبير السن منهم ، الذين أصبحت عقولهم حجارةً منقوشاً عليها ، فتقريباً هذه النتائج الحاصلة من النهضة التكنلوجية ، وحتى لا نذهب بعيداً فقد أصبح تويتر هو المرآة المعتمدة لعكس ثقافة أي مجتمع ، ولو نظرت لما يُطرح فيه من أراء وأفكار مختلفة ، لوجدت أن هنالك فئة ليست بالقليلة بدأت تطرح أفكارها الخاصة ، ومن أهمها التساؤل حول القرآن الكريم وما ورد فيه من آيات ونصوص شريفة ، وحول الأحاديث النبوية ، وحول التاريخ وماحصل فيه من سير وأمثال ، ودائماً نرى الحيرة في الغالبية العظمى ، وكما ذكرت في الأعلى فالقسم الأول مغلق العقل مازال يحارب من يتعدى الخطوط الحمراء لعقليته ، وأما الآخر فمازال متحيراً صامتاً ، وأما القسم الآخير فقد أصبح منكراً وجاحداً لموروثه الديني ، فمثلاً قبل عدة أيام وفي أثناء تصفحي وجدت أحدهم يقول : كيف مكث النبي يونس عليه السلام في بطن الحوت !؟ أيعقل هذا ؟ ” بالفعل أيعقل هذا ؟ ، ومن هنا كان المذهب الإسماعيلي هو الأقرب لفهم مايحيير الإنسان الفطن مرن العقل والتفكير ، وعلى مر العصور كان هذ المذهب هو الأقرب دائماً للباحث المثابر في سبيل الحق والحقيقية ، فلطالما كان هذا المذهب يطرح أسئلةً تأمليه وقد تكون بديهيةً إلا أنه يعجز الجمع عن الإتيان بجوابٍ منطقي لها ، لذلك كان هذا المذهب مناهضاً للمنطق ، والمذهب الإسماعيلي يقوم معتقده على الظاهر والباطن في كل شيء ، وهذه سنة الحياة وكما قال تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تتذكرون } فالإنسان واحد إلاّ أنه من جسد وروح ، فالجسد هو الظاهر والروح هي الباطن ، فأنت ترى الجسد لكنك لا ترى الروح التي تسكن فيها ، ولا يقوم الجسد إلا بها ، وكذلك نرى ظاهر الشريعة ونصوص القرآن ، لكننا لا نرى الرموز والأسرار التي تبطنها وتقومها ، فالنبي صلوات الله عليه وعلى آله لم يأتي بالشريعة المحمدية دون براهين عقلية ، وحجج عظيمة فتبت يدا أبي لهب وتب ما اغنى عنه ماله وماكسب ، فالنبي صلوات الله عليه وآله لم يكن أمياً كما يزعم الجاهلون ، فلك أن تتخيل يا أخي عظمة محمد نبي الله إلى الثقلين وأفصح قريش وأعلم العالمين أن يكون أمياً !؟ عبثاً عبثاً ماتحاولون ، وللتوضيح فإن كلمة ( أمي ) مأخوذه من أم القرى لذلك سمي أمياً ، فصلوات الله وسلامه على محمد رسول الله العربي الهاشمي المكي المدني الأبطحي الأمي صاحب التاج والهراوة والقضيب والناقة صاحب قول لا إله إلا الله ، وعلى آله الطيبين الطاهرين الحاملين لعلم الله ، ومن أمثلة ماذكرنا فكأن يوصي صلوات الله عليه بصوم شهر رمضان الكريم ، دون أي برهان وجواب شافي ، فلماذا شهر رمضان بالذات من بين كل الشهور ؟ وكتعظيم المسلمين ليوم الجمعة المباركة من بين الأيام السبعة ، فلماذا يوم الجمعة بالذات ؟ . فالأمثلة كثيرة لكني طرحت هذين المثالين للقياس ، وللإختصار بقدر المستطاع ، لذلك فالباطن حق والظاهر حق ، ولنضرب مثالاً على المثل والممثول الذي قال الله تعالى { إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ماّ بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيراً ويهدي به كثيرا وما يضل إلا الفاسقين } فنقول مثال على ذلك بأن جسم الإنسان مثل ، ونفسه ممثول ، والدنيا مثل ، والأخرة ممثول ، ويقول الإمام علي عليه السلام ” وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تنكشف الظلمات إلا به ” وقال أيضاً عليه السلام ” مامن آيه قرآنيه إلا ولها أربعة معان ظاهر وباطن وحد ومطلع فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو أحكام الحلال والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد ” وقد ذكر الله جل ثناؤه وهو أصدق القائلين الباطن في مواضع عده فقال سبحانه : { وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة } فتدبر هذه النعمة المقصودة ، تلك التي قال الله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } وقال تعالى : { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } وقال في كتابه الكريم : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات } إلى قوله { ومايعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } وقال تعالى : { هل ينظرون إلى تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } وقال تعالى : { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } فهناك الكثير من الآيات التي أتت على إثبات التأويل والباطن والأمثال ، لذلك لن أطيل الحديث في إثبات الباطن والمثل والممثول ، كيما نتابع موضوعنا في أن المسار في منحناه الصحيح ، وأن الزمن يسير بالحكمة الإلهية في إنفتاح العقول البشرية والتفكير في المسلمات الدينية ، التي داخلها الغموض ، وحاول طمسها الأبالسة والشياطين ، وبالتفكر في هذا المذهب الذي يتبنى المنطق العقلاني والذي كان أقرب لعقول الناظرين المتحيرين ، وكيف أن معتنق هذا المذهب يوافق جميع الثقافات ويتخاطب معها بليونه وتقبل ، ودائماً شعاره ( لك دينكُ ولي دين ، ولو كان مذهبك أياً كان مادمت لي مسالماً ) وكما قال صاحب الرسائل عليه السلام الذي هو قدوة عظيمة لهذا المذهب الرباني فيقول : ( فالناجي في الآخرة من كان جامعاً لفضائل الأمم والأديان كلها ) ولذلك سأضرب بعض الأمثله لتوافق هذا المذهب مع جميع الثقافات والأديان ، فلو نظرنا للبوذيين في إعتقادهم بالعناصر الأربعة ، النار ، والهواء ، والماء ، والتراب ، وأنها أساس كل شيء ، فقلنا بأنه يعتقد بهذا المعتقد وأن العناصر الأربعة هي أمهات المواليد الثلاثة ، التي هي ، المعدن ، النبات ، الحيوان ( ناطقة وخرساء) ،ولو نظرنا لبوذا الذي يقدسونه ، لرأينا أن أبناء هذا المذهب يحترمونه ولا يقولون فيه إلا الخير ، بل ويقتبس البعض من حكمته الشيء الكثير ، ولو نظرنا لما يعتقد به الهندوس أن النفس ( آتمان ) هي الباقية الخالدة ، وأنها لا تنفصل عن الروح الأسمى ( البراهمان ) فنقول كما آتى في القران الكريم : { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تبصرون } وقد ذُكرت مسألة النفس الواحدة في أكثر من آية ، ولن أزيد على كلام الله شيء ، فتدبر يا أخي هذه الآية الكريمة ، وللتقريب فالظلمات الثلاث هي الأبعاد الثلاثية ، وأيضاً أنظر بعين قلبك وبصيرتك ، للإشارة الإلهية نحو الرب الذي له الملك سبحانه ، وأما اليهودية فأقرب مايكون هو [ يوشع بن نون عليه السلام ] ، الذي لا يعرفه المسلمون إلا بمقولة [ يقال أنه نبي ] ، بينما المذهب الإسماعيلي ذهب بعيداً في معرفته فهو يعرفه جيداً ويعرف مقامه ورتبته ، ولن أتطرقها ، وإن أتينا لما تعتقد به الديانة المسيحية ، فننظر إلى الأسرار المقدسة وهي سبعة ، ولا يكون المسيحي مسيحاً إلا بها ، وسأذكرها دون شرح كيفيتها خوفاً من الإطالة ، فقد وردت الأسرار السبعة بمعاني كثيرة من بينها ( الأمر الخفي ، الرمز النبوي ، أسرار النبوات ) ومن هنا نعلم أن لها أسراراً خفية وباطنة وهي ( المعمودية ، وزيت الميرون ، والقربان المقدس ، والتوبة ، ومسحة الرضى ، وسر الزيجة ، وسر الكهنوت )، ثم لننظر لدعائم الإسلام لدى المذهب الإسماعيلي وهي سبعة قد تكون مشابهه لها في المعنى ( الباطن ) وإن إختلفت الطقوس والشرائع ، فهي ( الولاية ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج والجهاد ، ) وأيضاً تشابه الرقم سبعة لا يجب أن نغفل عنه . ثم لو تطرقنا لأغلب فلاسفة العالم بغض النظر عن أديانهم لوجدناهم يتفقون في بعض الأمور معهم ، فمثلاً فريدريك نتيشة وإخترته لأنه الأبعد ديناً أو قد يكون بلا دين ، ولن أحكم عليه ولن أسمع حكم أحد ، فيقول : ” كل الأشياء خاضعة للتأويل وأيًا كان التأويل فهو عمل القوة لا الحقيقة ” وكما نعلم أن جوهر الشيء هو حقيقته ، وتكون بإخراج الجوهر من القوة إلى الفعل ، فالتأويل هو عمل القوة التي تخرج الجوهر وأيضاً يقول : ” إني أتٍ إليكم بنبأ الإنسان المتفوق فما الإنسان العادي إلا كائن يجب أن نتفوقه ، فماذا أعددتم للتفوق عليه ” فلنركز على هذا الإنسان المتفوق في نظر نتيشة ، فبالفعل في الفلسفة الإسماعيلية ، لما كان الإنسان هو محصول الحيوان والأشياء التي تقدمته ، فحتماً سيكون هناك محصولاً لجميع الإنسان ، وقال تعالى : *{ ثم أنشأناه خلقاً آخر } وأكتفي بالتلميح ، وغير أن المذهب الإسماعيلي خاض في الفلك وعلم النجوم ، وقام بمجارات الفلسفة اليونانية والهندية ووقر رموزهم ، وألف وسطر في ماهية الكواكب ، والأفلاك وفي عددها ومواضعها وأقطارها وأحجامها وسرعة دوارنها وأبعادها ، بل واتخذ التقويم الفاطمي له تاريخ معتمد ، وهو يقوم على حسابات فلكية موزونه قد تحتاج لأيام عدة لمعرفة طرق حسابها ، وأقاموا الإختراعات والنظريات التي قامت عليها الحضارة الصناعية المعاصرة ، كالمناظر ، وخاضوا في الكيمياء وألفوا وسطروا ووضعوا قواعدها وقوانينها وهي معتمده لحد الآن ، بل وخاضوا في التاريخ من عهد آدم إلى هذا الزمان ، فاذهب لتسمع قصص الأنبياء خارج نطاق القرآن الكريم ، فلن تجد إلا سطوراً قلة ، مقتبسه من ظاهر القرآن أو من الأحاديث النبوية . وهناك أيضاً الكثير من فلسفات الأمم ، وثقافات الأديان التي يتفق معها في أراءٍ كثيرة ويكونون معهم مرنين ومتقبلين لما هم عليه ، لا يقذفونهم بالكفر ولا يستهزؤون من آلهاتهم وقدسياتهم ، وإن أتى شخصٌ غاشم ليقول بأن هذا المذهب هو إقتباسات من عدة أديان ، لقلنا بأن جميع الخلق علومهم واحدة وأن الأنبياء والرسل دينهم واحد متماسك ألا وهو الإسلام ، ويقول تعالى : { يريد الله ليبين لكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم } وقال : جل جلاله { سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } . لذلك لن تجد لسنة الله تبديلاً وقال جل ثناؤه : { إن الدين عند الله الإسلام وما إختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } فتدبر يا أخي كيف أن سنة الله واحدة وعلم الأنبياء ودينهم واحد ولم يختلف فيه إلا البشر بعدما جاءهم العلم ، فالعلم الرباني الذي وهبه الله لعباده على أيدي أنبياء الرحمه هو واحد ، وعلم البشرية قائم على ما أخذوه من الأنبياء والرسل ولو أني أخاف البعد كثيراً لطرحت بعض الأمثلة والأدلة على أن بداية كل علم إما من نبي أو رسول مؤيد بروح من الله سبحانه . وأما لو تكلمنا عن نظم المذهب الإسماعيلي وترتيبه وقواعده لعلمت أنه بينانٌ مرصوص ، متين العماد والقواعد صارم ومتزن على أسس لا تتغير ولا تتبدل إلا بما شاء الله ، فأتني بمذهبٍ متكامل البنية والأساس ، ومتفقٌ مع الكون في نشأته ، والإنسان في خلقته ، يتدرج تدرجاً في العلم والرتب والزمن والمكان ، ويساير الطبيعة في مقتضاها ويتشبه بحكمة الباري جل جلاله في جميع مناهجه ، ولو تجادنا في ماهية الله لرأيت من ينزهه ويجله ويبريه من الأراء الفاسدة التي إخترعها البشر ، وأيضاً لو أن هنالك مسلمٌ عربي غيور ، ثم نظر لحال العرب والمسلمين إلى أين وصلوا من الجهل والإذلال ، ثم تمدح كما يتمدح دائماً بأن الغرب أخذت علومها من العرب المسلمين ، ثم نظر وقال من هم هؤلاء العلماء العرب المسلمين ، لوجد أن غالبيتهم من الطائفة الإسماعيلية ، ولوجدهم في كتب كهنوته مزندقون ومكفرون ومنبوذين من علماء الجهل والظلال الذين لم يقدموا للبشرية سوى الدمار والأراء الوحشية ، ثم أخذ يعتبر أنى لهذا المذهب أن يحتضن مثل هؤلاء الفطاحلة الذين قدسهم الغرب وأخذ يتدارس كتبهم ، ثم أخذ يفكر لما أكثرية الذين حازوا على إهتمام الغرب هم من الطائفة الإسماعيلية ، حيث أنهم تداولوا سيرهم ، وحققوا في تاريخهم ومعتقداتهم ، وأقرب مايكون في هذا العصر تأتي البروفيسورة والباحثة ( كارملا بافيوني ) وهي باحثة في الفلسفة الإسلامية حيث قامت بدراسة رسائل إخوان الصفا والقت المحاضرات عنها وأوجبت التقدي بهم والسير على نهجهم ، بل وبدأت حالياً في ترجمتها للإيطالية كيما يتنسى لأبناء وطنها الإستفادة منه ، بل وبدأت تقرأ لبعض الفلاسفة الإسماعيليين . ثم لنأتي لذكر بعض الفلاسفة الذين حازوا على إهتمام الغرب وجعلوا مؤلفاتهم نصب أعينهم لألاف السنين القادمة ، فمنهم الفارابي ، وابن سينا ، وابن الهيثم ، والكرماني حجة العراقين والمؤيد في الدين الشيرازي وابن حيان وغيرهم الكثير . ولنتسائل لماذا لا يُقرئ التاريخ فكيف فعل بأدباءه والفلاسفة كابن المقفع والحلاج وغيرهم أليس لإنهم شيعة ؟ أم ترى أن هؤلاء قدموا للبشرية الكثير وصنعوا للغرب حضارتهم بينما يستحقون القذف والذبح والسلخ ، أليس هذا تناقضاً منك ؟ لا بل صدقني أنت مختل . وماذا لو رأيت أن العالم بأجمعه يرى بأن سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطاطاليس ، وفيثاغورس وأقليدس ، وجالينوس ، قدوةً لهم وشخصيات تاريخية عظيمة وأنت تكفرهم وبينما الإسماعيلي المعتقد يقول بأنهم حدود دينية لها رتبها ومقامها ، فيحترمونهم ويقدرونهم ، فكان كل ماكتبت عن هذا المذهب نزعة مني ، وقد تظن بأني أكتب هذه المقالة مديحاً ، لكنك مخطئ فكما قلت كان نزعة مني فقط ، فلم أسمع بمذهب متزن يجمع علوم الدين وعلوم الفلسفة كأنها زوجان ممتزجان ومتجانسان غير ه ، فلنعد لموضوعنا ، فما أردت قوله هنا في هذه المقالة هو بأن الزمن يسير في مساره الصحيح ، فالزمن الآن كأنه يقول سأمخض العقول والأراء ، ليأتي زمانٌ فيه يلدون ، فيتقبلون ماسيفجعهم من العلوم الخفية والمعارف الحق المطوية تحت حكم الرحمة الإلهية بعباده الصالحين المخلصين ، فأنظر أنت بنفسك إلى أين يقودنا الزمان ؟ أليس إلا الجحود بما قصه الكهنوت الإبليسي وحرفه ، وطمس العقول عن الحق وكمكمه ، تحت ظل أنا أعلم منك ، وأنا أقول وأنت تفعل دون أن تسأل ! ، فتأمل مصير هذا العالم وإلى أي فوهةٍ ينزلق ، أليس الله بأرحم الراحمين وقد أنزل علينا الأنبياء والمرسلين ؟ أليس من المفترض أنه أنزلهم ليخرجونا من الظلمات إلى النور وأن يستمر في ذلك ، ويحفظ علم أنبياءه ورسله ، وإلا لما كان من إنزالهم مغزىً صريح سوى إنقاذ من كان بعصرهم ، وكان عجز منه ! فحشاه العزيز المتعال القوي الجبار جل ثناؤه وتعالى سبحانه عما يقولون علواً كبيرا ، فهل تعلم يا أخي أن اليهود تقول بأن التوارة محفوظ من عند الله ، والمسيحية كذلك تقول بأن الإنجيل محفوظ من عند الله ؟ ، والقرآن كذلك محفوظ بلا شك وريب من عند الله غير قابل للتحريف ، لكن ماذا لو حُرفت المعاني ، وزادوا في الشرائع وأنقصوا منها أليس هذا سهلاً وهل كل ماشرع الرسول في القرآن !؟ فتسائل يا أخي ، ثم ماذا ؟ أليس من المنطقي أن يكون لهذه العلوم الشريفة والشرائع النبوية شخص مكلف ومجتبى من الله جل جلاله ليحفظها ، أم ترى أن البشر العاديون قادرون على حفظها من دون التأييد الإلهي الذي مده الله بالأنبياء والرسل ؟ أم تُترك للإجتهاد الذي لا ينتج عنه إلا تعدد الأراء وضياع الأمم ، وأنظر كيف أضاع اليهود والمسيح دينهم وإعتبر ولا تكن ممن قال الله فيهم : { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } وكن ممن قال فيهم : { يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } فتفكر يا أخي في حكمة الله سبحانه وعدله . فأكمل موضوعي قائلاً إن هذا لتمهيد لما هو آت ، من أحداث تسر المخلصين وتبهج القانعين الخيرين وتسوء المكابرين القاسطين ، وسيكون للمذهب الإسماعيلي الذي هو الأقرب لما تمليه العقول السليمة والفطرة القويمة صيت يهز أركان الأرض ، وسيُظهر التاريخ عظمة نجران التي غلفها بهندام السكينة ، وأخفاها خلف خن السفينة ولو لاحظنا إنتشار الفنون الشعبية النجرانية وبعض السنن التي لطالما ميزنا أبناء هذا المذهب عن طريقها على نطاق واسع ، حتى أن الكثيرون أصبحوا يزاولون الفلكلور النجراني ، وصارت العمامة النجرانية منتشرة في جميع الأنحاء ، بعدما كان يراها البعض تخلفاً منهم وماهم إلا المتخلفون الجاهلون ، فالعمامة تيجان العرب كما أخبر النبي صلوات الله عليه واله . وكذلك إنتشرت سنة تهذيب اللحى ، والتختم في الخنصر اليمين ، وهم لا يعلمون ماخلف التختم في اليمين من لطائف الحكمة الإلهية والمعاني ، وماذا يمثل خنصر اليد اليمنى وما يمثل الخاتم ، وأيضاً ، لنتسائل لما كان النبي صلوات الله عليه وآله يتختم في يمينه وفي أوآخر أيامه تختم في يساره وأمر الإمام علي عليه السلام أن يتختم في اليمين ؟ فتدبر يا أخي هذه الإشارات اللطيفة من نبي الرحمة صلوات الله عليه ، وقد تظن أنه ليس لهذه العادات المنتشرة أي تأثير لكن صدقني أنها لعبت دوراً كبيراً ، فأضرب لك مثالاً ، ففي أحد الأيام وأنا أستقل باصاً عاماً في أحد الدول ، وكان بجانبي شخص عربي بل سعودي من المنطقة الوسطى ، فتبادلت معه أطراف الحديث فآتى ذكر مدينة نجران ، فأتاني منه السؤال صاعقاً هل نجران في القطيف ؟ هاسرح له ، فلذلك كان هنالك الكثير لا يعرفون عن نجران وأبناء هذا المعتقد شيئاً سوى أن أهل نجران شيعة ، ولا يسمعون عنهم سوى تلك القصص الخرافية التي إفتراها عليهم بعض العقارب الذميمة . ومما زاد توجه النظرات إلى هذه الطائفة أيضاً ، كثرت السذج الحاقدين الذين يسعون لتشويه سمعة هذا المذهب غباءاً منهم فيظنون أنهم يفرقون الناس وينفرونهم عنهم ، بينما هم يشيرون على الحق بأيديهم لمن حظي بالفطنة والتفكر ، وحتى أن هوس الأضداد وصل فيهم لأن ينشروا تحذيرات لعدم وضع الفوانيس لأنها عادات إخترعتها الدولة الفاطمية ، ولو تصفحت عن فوائد الشموع في البيت التي طرحها الطب الحديث لوجدتها ذات منفعة غير أنها تضيف جواً روحانياً وسكينة . بل وإن بعض زعماء دينهم تكلموا عنها وحثوا بها. ثم آتت حرب اليمن ثم تفجير المشهد رحمة الله على من شهدوا الشهادة فيه بكل شجاعة ، فأسكنهم الله رفيع جناته ، وكانت هاتين الحادثتين سبباً قوياً لجعل النظرات تتوجه جميعها لنجران وللطائفة الإسماعيلية ، وأخذت الغالبية العظمى تتسائل عن هذا المذهب المسالم العقلاني ، الذي لطالما كان أبناؤه قدوةً للخير والشجاعة والكرم والفصاحة ، الذين كانوا كما ذكرنا سابقاً جامعين لفضائل الأمم والأديان كلها . فحتى وإن صارعهم الباطل والظلم طول هذه السنين ، سينكشف الغم وسيظهر الحق من الباطل ، وسيعلم الجمع أي منقلبٍ ينقلبون ، فقد وعد النبي صلوات الله عليه وآله وهو الصادق الامين حين قال : ” لو لم يبقى من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر من ولدي من يملأ الأرض عدلاً وقسطا كما ملئت جوراً وظلما ” وما هذه الأحداث السياسية والتطور الصناعي والتفتح الثقافي والعقلاني إلا تمهيداً لمستقبل مشرق مملوء بالعدل والسلام ، فمن سيجيب هذه العقول جواباً شافياً وبياناً عن مثل هذه الأسئلة التي ضربت مثالاً عليها في الأعلى ؟ وكما قال أحد دعاة الدولة الفاطمية أتحفظ بإسمه لغرض في نفسي :
وتطلع الشمــــس بنور قــد بهـر
وتنجلي الظلــمة عن حــد القمر
ويغلــب الـنــور عـلى الـظــــلام
وتشــــرف الأرضــيـن بالإمـــام
وتكشف الشمس التي مـن قـبل
كان لها في الكـائنات من فــعل
ولم لعــــمـري مـــرةً قد كــــورت
وأخفيـت عن الــــورى وأظــهرت
وكــــم سمــــاء قد طـويت وبدلت
ارضا بغـير ارض ثــــم زلـــــزلت
ويبــــطل القــــول الــذي بالسكر
يفـعل بالأرواح فــــعــــل الــخمر
وتبــــرز الحـــور مــــن الــــخدور
وتـــنــــشر المــــوتى من القــــبور
وتــــنمــي الآثــــار والــــرســـوم
ويكشف المــــستــــور والمــــكتوم
وينقضي الستر ويمضــــي دوره
وظــــلمه عـلى الــــورى وجــــوره
فكما يتضح في هذه الأبيات الجلية التي لا تحتاج لشرح وفي الآخر سأكرر ماقلت سابقاً هذه المقالة مجرد حديث ليس إلا بيني وبين نفسي وسأطرح النهاية كهدية لمن يقرأ مقالتي هذه ، ووفقكم الله ورعاكم أينما كنتم وحللتم .
النهاية : في حديث طويل سأذكر هذا الجزء منه ، وهو لما كان الرسول صلوات الله عليه وآله في مرضه ، وجاءه الإمام علي عليه السلام ، بعد أن قال ثلاث مرات ادعوا إلي أخي ، فأرسلت فاطمة عليها السلام إلى علي ، فجاء فلما رآه النبي قال : ادن مني فدنا منه فقال : اجلسني فأجلسه ثم قال : احضني فأحتضنه فقال : اسندني إلى صدرك فأسنده ، قال : علي السلام ، فما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يسارني ويحدثني ، وإني لأجد برد شفتيه ولسانه في أذني ، حتى قبض صلى الله عليه وآله ، قال : وكان آخر ماعهد إلي أن قال : الصلاة الصلاة ، وماملكت أيمانكم ، قال علي عليه السلام : وهي آخر وصايا الأنبياء صلوات الله عليهم .

فأوصيكم بآخر وصايا النبياء صلوات الله عليهم
بنج ..