مهد الزمان

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد المختار ووصيه حيدر الكرار وعلى آله الهادين الأطهار ، في الحقيقة لا أعلم كيف أبدا موضوعي هذا ، الذي لا أعتبره إلا حديثاً لا أقل ولا أكثر ، ففي زخم هذه الأحداث نلاحظ أشياء كثيرة ، تبرهن على أن الزمن يجري في مساره الصحيح ، وأن الحكمة الإلهيه تمهد الطرق لزمانٍ أظنه ليس بالبعيد ، فعندما نرى مايحدث الآن من وقائع سياسية وثقافية نعلم أن هنالك نقلة غامضة ستحدث في هذا العالم ، لذلك فلنتكلم عن الناحية الثقافية سنجد أن هذا الجيل ينقسم إلى ثلاثة أقسام ،الأول من أُقفل عقله بعدما نُقشت تعاليمه الدينية ، والقسم الثاني من يتخبط داخلياً مابين تصديق ما إستسقاه صغيراً أو تصديق تفكيره العقلاني والقسم الثالث ، فبدأ بتكذيب تعاليم دينه وقصصها وإنقاد لما يمليه عليه واقعه وعقله ، وإن تطرقنا للأسباب لوجدنا أنها جبرية وعناية إلهية ، ففي زخم التطور الصناعي والحضاري أصبح الجميع دون إستثناء يرون ويسمعون عن طريق هواتفهم الذكية ، وإن نظرنا لما أدت إليه هذه النهضة لوجدنا أنها أغفلت الأهل عن تأسيس أبنائهم دينياً ، وهتكت ستر الكهنوت الديني الذي لطالما كانت أخطاؤه شنيعة إلاّ أنه يجد دائماً من يدفن إجهاضاته الغير شرعية ، وأيضاً إنتشار موضة الإلحاد والعلمانية ، فيأتي طفل ما ليتكلم عن إنكار وجود الله جل جلاله وهو في دائرة تحفيظ القرآن ، أو كأن يأتي طفل آخر يدعي العلمانية ، ليتكلم عن الإنفتاح والحرية الجسدية وهو مازال يحنط أخواته في التوابيت السوداء كيلاّ يفتتن بهن أحد ، وأيضاً إنتشار المتهكمين والساخرين ، إما لغرض التغيير مع أني أرى أن الغالبية العظمى تتهكم وتسخر لأجل الشهرة أو لإدعاء الثقافة والوسطية ، أو ربما كانت لغرض العداء ، أو التثقيف ، وأيضاً كان من ذلك تقارب الحضارات والأديان من بعضها البعض بشكلٍ خيالي ، فأصبح ذلك البدوي الصحراوي يستطيع أن يدخل في فكر وعقل أبعد الناس إليه جغرافياً ، وأبعدهم منه عقائدياً ودينياً ، وبما أن عقل الشاب كالطين المبلول فأنت تستطيع الكتابة عليه ، ومن هذه الأسباب حدث هذا التغير الجذري في ثقافة المجتمع المعاصر ، ولم يبق متمسكاً بتعاليمه الدينية إلا كبير السن منهم ، الذين أصبحت عقولهم حجارةً منقوشاً عليها ، فتقريباً هذه النتائج الحاصلة من النهضة التكنلوجية ، وحتى لا نذهب بعيداً فقد أصبح تويتر هو المرآة المعتمدة لعكس ثقافة أي مجتمع ، ولو نظرت لما يُطرح فيه من أراء وأفكار مختلفة ، لوجدت أن هنالك فئة ليست بالقليلة بدأت تطرح أفكارها الخاصة ، ومن أهمها التساؤل حول القرآن الكريم وما ورد فيه من آيات ونصوص شريفة ، وحول الأحاديث النبوية ، وحول التاريخ وماحصل فيه من سير وأمثال ، ودائماً نرى الحيرة في الغالبية العظمى ، وكما ذكرت في الأعلى فالقسم الأول مغلق العقل مازال يحارب من يتعدى الخطوط الحمراء لعقليته ، وأما الآخر فمازال متحيراً صامتاً ، وأما القسم الآخير فقد أصبح منكراً وجاحداً لموروثه الديني ، فمثلاً قبل عدة أيام وفي أثناء تصفحي وجدت أحدهم يقول : كيف مكث النبي يونس عليه السلام في بطن الحوت !؟ أيعقل هذا ؟ ” بالفعل أيعقل هذا ؟ ، ومن هنا كان المذهب الإسماعيلي هو الأقرب لفهم مايحيير الإنسان الفطن مرن العقل والتفكير ، وعلى مر العصور كان هذ المذهب هو الأقرب دائماً للباحث المثابر في سبيل الحق والحقيقية ، فلطالما كان هذا المذهب يطرح أسئلةً تأمليه وقد تكون بديهيةً إلا أنه يعجز الجمع عن الإتيان بجوابٍ منطقي لها ، لذلك كان هذا المذهب مناهضاً للمنطق ، والمذهب الإسماعيلي يقوم معتقده على الظاهر والباطن في كل شيء ، وهذه سنة الحياة وكما قال تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تتذكرون } فالإنسان واحد إلاّ أنه من جسد وروح ، فالجسد هو الظاهر والروح هي الباطن ، فأنت ترى الجسد لكنك لا ترى الروح التي تسكن فيها ، ولا يقوم الجسد إلا بها ، وكذلك نرى ظاهر الشريعة ونصوص القرآن ، لكننا لا نرى الرموز والأسرار التي تبطنها وتقومها ، فالنبي صلوات الله عليه وعلى آله لم يأتي بالشريعة المحمدية دون براهين عقلية ، وحجج عظيمة فتبت يدا أبي لهب وتب ما اغنى عنه ماله وماكسب ، فالنبي صلوات الله عليه وآله لم يكن أمياً كما يزعم الجاهلون ، فلك أن تتخيل يا أخي عظمة محمد نبي الله إلى الثقلين وأفصح قريش وأعلم العالمين أن يكون أمياً !؟ عبثاً عبثاً ماتحاولون ، وللتوضيح فإن كلمة ( أمي ) مأخوذه من أم القرى لذلك سمي أمياً ، فصلوات الله وسلامه على محمد رسول الله العربي الهاشمي المكي المدني الأبطحي الأمي صاحب التاج والهراوة والقضيب والناقة صاحب قول لا إله إلا الله ، وعلى آله الطيبين الطاهرين الحاملين لعلم الله ، ومن أمثلة ماذكرنا فكأن يوصي صلوات الله عليه بصوم شهر رمضان الكريم ، دون أي برهان وجواب شافي ، فلماذا شهر رمضان بالذات من بين كل الشهور ؟ وكتعظيم المسلمين ليوم الجمعة المباركة من بين الأيام السبعة ، فلماذا يوم الجمعة بالذات ؟ . فالأمثلة كثيرة لكني طرحت هذين المثالين للقياس ، وللإختصار بقدر المستطاع ، لذلك فالباطن حق والظاهر حق ، ولنضرب مثالاً على المثل والممثول الذي قال الله تعالى { إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ماّ بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيراً ويهدي به كثيرا وما يضل إلا الفاسقين } فنقول مثال على ذلك بأن جسم الإنسان مثل ، ونفسه ممثول ، والدنيا مثل ، والأخرة ممثول ، ويقول الإمام علي عليه السلام ” وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تنكشف الظلمات إلا به ” وقال أيضاً عليه السلام ” مامن آيه قرآنيه إلا ولها أربعة معان ظاهر وباطن وحد ومطلع فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو أحكام الحلال والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد ” وقد ذكر الله جل ثناؤه وهو أصدق القائلين الباطن في مواضع عده فقال سبحانه : { وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة } فتدبر هذه النعمة المقصودة ، تلك التي قال الله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } وقال تعالى : { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } وقال في كتابه الكريم : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات } إلى قوله { ومايعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } وقال تعالى : { هل ينظرون إلى تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } وقال تعالى : { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } فهناك الكثير من الآيات التي أتت على إثبات التأويل والباطن والأمثال ، لذلك لن أطيل الحديث في إثبات الباطن والمثل والممثول ، كيما نتابع موضوعنا في أن المسار في منحناه الصحيح ، وأن الزمن يسير بالحكمة الإلهية في إنفتاح العقول البشرية والتفكير في المسلمات الدينية ، التي داخلها الغموض ، وحاول طمسها الأبالسة والشياطين ، وبالتفكر في هذا المذهب الذي يتبنى المنطق العقلاني والذي كان أقرب لعقول الناظرين المتحيرين ، وكيف أن معتنق هذا المذهب يوافق جميع الثقافات ويتخاطب معها بليونه وتقبل ، ودائماً شعاره ( لك دينكُ ولي دين ، ولو كان مذهبك أياً كان مادمت لي مسالماً ) وكما قال صاحب الرسائل عليه السلام الذي هو قدوة عظيمة لهذا المذهب الرباني فيقول : ( فالناجي في الآخرة من كان جامعاً لفضائل الأمم والأديان كلها ) ولذلك سأضرب بعض الأمثله لتوافق هذا المذهب مع جميع الثقافات والأديان ، فلو نظرنا للبوذيين في إعتقادهم بالعناصر الأربعة ، النار ، والهواء ، والماء ، والتراب ، وأنها أساس كل شيء ، فقلنا بأنه يعتقد بهذا المعتقد وأن العناصر الأربعة هي أمهات المواليد الثلاثة ، التي هي ، المعدن ، النبات ، الحيوان ( ناطقة وخرساء) ،ولو نظرنا لبوذا الذي يقدسونه ، لرأينا أن أبناء هذا المذهب يحترمونه ولا يقولون فيه إلا الخير ، بل ويقتبس البعض من حكمته الشيء الكثير ، ولو نظرنا لما يعتقد به الهندوس أن النفس ( آتمان ) هي الباقية الخالدة ، وأنها لا تنفصل عن الروح الأسمى ( البراهمان ) فنقول كما آتى في القران الكريم : { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تبصرون } وقد ذُكرت مسألة النفس الواحدة في أكثر من آية ، ولن أزيد على كلام الله شيء ، فتدبر يا أخي هذه الآية الكريمة ، وللتقريب فالظلمات الثلاث هي الأبعاد الثلاثية ، وأيضاً أنظر بعين قلبك وبصيرتك ، للإشارة الإلهية نحو الرب الذي له الملك سبحانه ، وأما اليهودية فأقرب مايكون هو [ يوشع بن نون عليه السلام ] ، الذي لا يعرفه المسلمون إلا بمقولة [ يقال أنه نبي ] ، بينما المذهب الإسماعيلي ذهب بعيداً في معرفته فهو يعرفه جيداً ويعرف مقامه ورتبته ، ولن أتطرقها ، وإن أتينا لما تعتقد به الديانة المسيحية ، فننظر إلى الأسرار المقدسة وهي سبعة ، ولا يكون المسيحي مسيحاً إلا بها ، وسأذكرها دون شرح كيفيتها خوفاً من الإطالة ، فقد وردت الأسرار السبعة بمعاني كثيرة من بينها ( الأمر الخفي ، الرمز النبوي ، أسرار النبوات ) ومن هنا نعلم أن لها أسراراً خفية وباطنة وهي ( المعمودية ، وزيت الميرون ، والقربان المقدس ، والتوبة ، ومسحة الرضى ، وسر الزيجة ، وسر الكهنوت )، ثم لننظر لدعائم الإسلام لدى المذهب الإسماعيلي وهي سبعة قد تكون مشابهه لها في المعنى ( الباطن ) وإن إختلفت الطقوس والشرائع ، فهي ( الولاية ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج والجهاد ، ) وأيضاً تشابه الرقم سبعة لا يجب أن نغفل عنه . ثم لو تطرقنا لأغلب فلاسفة العالم بغض النظر عن أديانهم لوجدناهم يتفقون في بعض الأمور معهم ، فمثلاً فريدريك نتيشة وإخترته لأنه الأبعد ديناً أو قد يكون بلا دين ، ولن أحكم عليه ولن أسمع حكم أحد ، فيقول : ” كل الأشياء خاضعة للتأويل وأيًا كان التأويل فهو عمل القوة لا الحقيقة ” وكما نعلم أن جوهر الشيء هو حقيقته ، وتكون بإخراج الجوهر من القوة إلى الفعل ، فالتأويل هو عمل القوة التي تخرج الجوهر وأيضاً يقول : ” إني أتٍ إليكم بنبأ الإنسان المتفوق فما الإنسان العادي إلا كائن يجب أن نتفوقه ، فماذا أعددتم للتفوق عليه ” فلنركز على هذا الإنسان المتفوق في نظر نتيشة ، فبالفعل في الفلسفة الإسماعيلية ، لما كان الإنسان هو محصول الحيوان والأشياء التي تقدمته ، فحتماً سيكون هناك محصولاً لجميع الإنسان ، وقال تعالى : *{ ثم أنشأناه خلقاً آخر } وأكتفي بالتلميح ، وغير أن المذهب الإسماعيلي خاض في الفلك وعلم النجوم ، وقام بمجارات الفلسفة اليونانية والهندية ووقر رموزهم ، وألف وسطر في ماهية الكواكب ، والأفلاك وفي عددها ومواضعها وأقطارها وأحجامها وسرعة دوارنها وأبعادها ، بل واتخذ التقويم الفاطمي له تاريخ معتمد ، وهو يقوم على حسابات فلكية موزونه قد تحتاج لأيام عدة لمعرفة طرق حسابها ، وأقاموا الإختراعات والنظريات التي قامت عليها الحضارة الصناعية المعاصرة ، كالمناظر ، وخاضوا في الكيمياء وألفوا وسطروا ووضعوا قواعدها وقوانينها وهي معتمده لحد الآن ، بل وخاضوا في التاريخ من عهد آدم إلى هذا الزمان ، فاذهب لتسمع قصص الأنبياء خارج نطاق القرآن الكريم ، فلن تجد إلا سطوراً قلة ، مقتبسه من ظاهر القرآن أو من الأحاديث النبوية . وهناك أيضاً الكثير من فلسفات الأمم ، وثقافات الأديان التي يتفق معها في أراءٍ كثيرة ويكونون معهم مرنين ومتقبلين لما هم عليه ، لا يقذفونهم بالكفر ولا يستهزؤون من آلهاتهم وقدسياتهم ، وإن أتى شخصٌ غاشم ليقول بأن هذا المذهب هو إقتباسات من عدة أديان ، لقلنا بأن جميع الخلق علومهم واحدة وأن الأنبياء والرسل دينهم واحد متماسك ألا وهو الإسلام ، ويقول تعالى : { يريد الله ليبين لكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم } وقال : جل جلاله { سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } . لذلك لن تجد لسنة الله تبديلاً وقال جل ثناؤه : { إن الدين عند الله الإسلام وما إختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } فتدبر يا أخي كيف أن سنة الله واحدة وعلم الأنبياء ودينهم واحد ولم يختلف فيه إلا البشر بعدما جاءهم العلم ، فالعلم الرباني الذي وهبه الله لعباده على أيدي أنبياء الرحمه هو واحد ، وعلم البشرية قائم على ما أخذوه من الأنبياء والرسل ولو أني أخاف البعد كثيراً لطرحت بعض الأمثلة والأدلة على أن بداية كل علم إما من نبي أو رسول مؤيد بروح من الله سبحانه . وأما لو تكلمنا عن نظم المذهب الإسماعيلي وترتيبه وقواعده لعلمت أنه بينانٌ مرصوص ، متين العماد والقواعد صارم ومتزن على أسس لا تتغير ولا تتبدل إلا بما شاء الله ، فأتني بمذهبٍ متكامل البنية والأساس ، ومتفقٌ مع الكون في نشأته ، والإنسان في خلقته ، يتدرج تدرجاً في العلم والرتب والزمن والمكان ، ويساير الطبيعة في مقتضاها ويتشبه بحكمة الباري جل جلاله في جميع مناهجه ، ولو تجادنا في ماهية الله لرأيت من ينزهه ويجله ويبريه من الأراء الفاسدة التي إخترعها البشر ، وأيضاً لو أن هنالك مسلمٌ عربي غيور ، ثم نظر لحال العرب والمسلمين إلى أين وصلوا من الجهل والإذلال ، ثم تمدح كما يتمدح دائماً بأن الغرب أخذت علومها من العرب المسلمين ، ثم نظر وقال من هم هؤلاء العلماء العرب المسلمين ، لوجد أن غالبيتهم من الطائفة الإسماعيلية ، ولوجدهم في كتب كهنوته مزندقون ومكفرون ومنبوذين من علماء الجهل والظلال الذين لم يقدموا للبشرية سوى الدمار والأراء الوحشية ، ثم أخذ يعتبر أنى لهذا المذهب أن يحتضن مثل هؤلاء الفطاحلة الذين قدسهم الغرب وأخذ يتدارس كتبهم ، ثم أخذ يفكر لما أكثرية الذين حازوا على إهتمام الغرب هم من الطائفة الإسماعيلية ، حيث أنهم تداولوا سيرهم ، وحققوا في تاريخهم ومعتقداتهم ، وأقرب مايكون في هذا العصر تأتي البروفيسورة والباحثة ( كارملا بافيوني ) وهي باحثة في الفلسفة الإسلامية حيث قامت بدراسة رسائل إخوان الصفا والقت المحاضرات عنها وأوجبت التقدي بهم والسير على نهجهم ، بل وبدأت حالياً في ترجمتها للإيطالية كيما يتنسى لأبناء وطنها الإستفادة منه ، بل وبدأت تقرأ لبعض الفلاسفة الإسماعيليين . ثم لنأتي لذكر بعض الفلاسفة الذين حازوا على إهتمام الغرب وجعلوا مؤلفاتهم نصب أعينهم لألاف السنين القادمة ، فمنهم الفارابي ، وابن سينا ، وابن الهيثم ، والكرماني حجة العراقين والمؤيد في الدين الشيرازي وابن حيان وغيرهم الكثير . ولنتسائل لماذا لا يُقرئ التاريخ فكيف فعل بأدباءه والفلاسفة كابن المقفع والحلاج وغيرهم أليس لإنهم شيعة ؟ أم ترى أن هؤلاء قدموا للبشرية الكثير وصنعوا للغرب حضارتهم بينما يستحقون القذف والذبح والسلخ ، أليس هذا تناقضاً منك ؟ لا بل صدقني أنت مختل . وماذا لو رأيت أن العالم بأجمعه يرى بأن سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطاطاليس ، وفيثاغورس وأقليدس ، وجالينوس ، قدوةً لهم وشخصيات تاريخية عظيمة وأنت تكفرهم وبينما الإسماعيلي المعتقد يقول بأنهم حدود دينية لها رتبها ومقامها ، فيحترمونهم ويقدرونهم ، فكان كل ماكتبت عن هذا المذهب نزعة مني ، وقد تظن بأني أكتب هذه المقالة مديحاً ، لكنك مخطئ فكما قلت كان نزعة مني فقط ، فلم أسمع بمذهب متزن يجمع علوم الدين وعلوم الفلسفة كأنها زوجان ممتزجان ومتجانسان غير ه ، فلنعد لموضوعنا ، فما أردت قوله هنا في هذه المقالة هو بأن الزمن يسير في مساره الصحيح ، فالزمن الآن كأنه يقول سأمخض العقول والأراء ، ليأتي زمانٌ فيه يلدون ، فيتقبلون ماسيفجعهم من العلوم الخفية والمعارف الحق المطوية تحت حكم الرحمة الإلهية بعباده الصالحين المخلصين ، فأنظر أنت بنفسك إلى أين يقودنا الزمان ؟ أليس إلا الجحود بما قصه الكهنوت الإبليسي وحرفه ، وطمس العقول عن الحق وكمكمه ، تحت ظل أنا أعلم منك ، وأنا أقول وأنت تفعل دون أن تسأل ! ، فتأمل مصير هذا العالم وإلى أي فوهةٍ ينزلق ، أليس الله بأرحم الراحمين وقد أنزل علينا الأنبياء والمرسلين ؟ أليس من المفترض أنه أنزلهم ليخرجونا من الظلمات إلى النور وأن يستمر في ذلك ، ويحفظ علم أنبياءه ورسله ، وإلا لما كان من إنزالهم مغزىً صريح سوى إنقاذ من كان بعصرهم ، وكان عجز منه ! فحشاه العزيز المتعال القوي الجبار جل ثناؤه وتعالى سبحانه عما يقولون علواً كبيرا ، فهل تعلم يا أخي أن اليهود تقول بأن التوارة محفوظ من عند الله ، والمسيحية كذلك تقول بأن الإنجيل محفوظ من عند الله ؟ ، والقرآن كذلك محفوظ بلا شك وريب من عند الله غير قابل للتحريف ، لكن ماذا لو حُرفت المعاني ، وزادوا في الشرائع وأنقصوا منها أليس هذا سهلاً وهل كل ماشرع الرسول في القرآن !؟ فتسائل يا أخي ، ثم ماذا ؟ أليس من المنطقي أن يكون لهذه العلوم الشريفة والشرائع النبوية شخص مكلف ومجتبى من الله جل جلاله ليحفظها ، أم ترى أن البشر العاديون قادرون على حفظها من دون التأييد الإلهي الذي مده الله بالأنبياء والرسل ؟ أم تُترك للإجتهاد الذي لا ينتج عنه إلا تعدد الأراء وضياع الأمم ، وأنظر كيف أضاع اليهود والمسيح دينهم وإعتبر ولا تكن ممن قال الله فيهم : { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } وكن ممن قال فيهم : { يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } فتفكر يا أخي في حكمة الله سبحانه وعدله . فأكمل موضوعي قائلاً إن هذا لتمهيد لما هو آت ، من أحداث تسر المخلصين وتبهج القانعين الخيرين وتسوء المكابرين القاسطين ، وسيكون للمذهب الإسماعيلي الذي هو الأقرب لما تمليه العقول السليمة والفطرة القويمة صيت يهز أركان الأرض ، وسيُظهر التاريخ عظمة نجران التي غلفها بهندام السكينة ، وأخفاها خلف خن السفينة ولو لاحظنا إنتشار الفنون الشعبية النجرانية وبعض السنن التي لطالما ميزنا أبناء هذا المذهب عن طريقها على نطاق واسع ، حتى أن الكثيرون أصبحوا يزاولون الفلكلور النجراني ، وصارت العمامة النجرانية منتشرة في جميع الأنحاء ، بعدما كان يراها البعض تخلفاً منهم وماهم إلا المتخلفون الجاهلون ، فالعمامة تيجان العرب كما أخبر النبي صلوات الله عليه واله . وكذلك إنتشرت سنة تهذيب اللحى ، والتختم في الخنصر اليمين ، وهم لا يعلمون ماخلف التختم في اليمين من لطائف الحكمة الإلهية والمعاني ، وماذا يمثل خنصر اليد اليمنى وما يمثل الخاتم ، وأيضاً ، لنتسائل لما كان النبي صلوات الله عليه وآله يتختم في يمينه وفي أوآخر أيامه تختم في يساره وأمر الإمام علي عليه السلام أن يتختم في اليمين ؟ فتدبر يا أخي هذه الإشارات اللطيفة من نبي الرحمة صلوات الله عليه ، وقد تظن أنه ليس لهذه العادات المنتشرة أي تأثير لكن صدقني أنها لعبت دوراً كبيراً ، فأضرب لك مثالاً ، ففي أحد الأيام وأنا أستقل باصاً عاماً في أحد الدول ، وكان بجانبي شخص عربي بل سعودي من المنطقة الوسطى ، فتبادلت معه أطراف الحديث فآتى ذكر مدينة نجران ، فأتاني منه السؤال صاعقاً هل نجران في القطيف ؟ هاسرح له ، فلذلك كان هنالك الكثير لا يعرفون عن نجران وأبناء هذا المعتقد شيئاً سوى أن أهل نجران شيعة ، ولا يسمعون عنهم سوى تلك القصص الخرافية التي إفتراها عليهم بعض العقارب الذميمة . ومما زاد توجه النظرات إلى هذه الطائفة أيضاً ، كثرت السذج الحاقدين الذين يسعون لتشويه سمعة هذا المذهب غباءاً منهم فيظنون أنهم يفرقون الناس وينفرونهم عنهم ، بينما هم يشيرون على الحق بأيديهم لمن حظي بالفطنة والتفكر ، وحتى أن هوس الأضداد وصل فيهم لأن ينشروا تحذيرات لعدم وضع الفوانيس لأنها عادات إخترعتها الدولة الفاطمية ، ولو تصفحت عن فوائد الشموع في البيت التي طرحها الطب الحديث لوجدتها ذات منفعة غير أنها تضيف جواً روحانياً وسكينة . بل وإن بعض زعماء دينهم تكلموا عنها وحثوا بها. ثم آتت حرب اليمن ثم تفجير المشهد رحمة الله على من شهدوا الشهادة فيه بكل شجاعة ، فأسكنهم الله رفيع جناته ، وكانت هاتين الحادثتين سبباً قوياً لجعل النظرات تتوجه جميعها لنجران وللطائفة الإسماعيلية ، وأخذت الغالبية العظمى تتسائل عن هذا المذهب المسالم العقلاني ، الذي لطالما كان أبناؤه قدوةً للخير والشجاعة والكرم والفصاحة ، الذين كانوا كما ذكرنا سابقاً جامعين لفضائل الأمم والأديان كلها . فحتى وإن صارعهم الباطل والظلم طول هذه السنين ، سينكشف الغم وسيظهر الحق من الباطل ، وسيعلم الجمع أي منقلبٍ ينقلبون ، فقد وعد النبي صلوات الله عليه وآله وهو الصادق الامين حين قال : ” لو لم يبقى من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر من ولدي من يملأ الأرض عدلاً وقسطا كما ملئت جوراً وظلما ” وما هذه الأحداث السياسية والتطور الصناعي والتفتح الثقافي والعقلاني إلا تمهيداً لمستقبل مشرق مملوء بالعدل والسلام ، فمن سيجيب هذه العقول جواباً شافياً وبياناً عن مثل هذه الأسئلة التي ضربت مثالاً عليها في الأعلى ؟ وكما قال أحد دعاة الدولة الفاطمية أتحفظ بإسمه لغرض في نفسي :
وتطلع الشمــــس بنور قــد بهـر
وتنجلي الظلــمة عن حــد القمر
ويغلــب الـنــور عـلى الـظــــلام
وتشــــرف الأرضــيـن بالإمـــام
وتكشف الشمس التي مـن قـبل
كان لها في الكـائنات من فــعل
ولم لعــــمـري مـــرةً قد كــــورت
وأخفيـت عن الــــورى وأظــهرت
وكــــم سمــــاء قد طـويت وبدلت
ارضا بغـير ارض ثــــم زلـــــزلت
ويبــــطل القــــول الــذي بالسكر
يفـعل بالأرواح فــــعــــل الــخمر
وتبــــرز الحـــور مــــن الــــخدور
وتـــنــــشر المــــوتى من القــــبور
وتــــنمــي الآثــــار والــــرســـوم
ويكشف المــــستــــور والمــــكتوم
وينقضي الستر ويمضــــي دوره
وظــــلمه عـلى الــــورى وجــــوره
فكما يتضح في هذه الأبيات الجلية التي لا تحتاج لشرح وفي الآخر سأكرر ماقلت سابقاً هذه المقالة مجرد حديث ليس إلا بيني وبين نفسي وسأطرح النهاية كهدية لمن يقرأ مقالتي هذه ، ووفقكم الله ورعاكم أينما كنتم وحللتم .
النهاية : في حديث طويل سأذكر هذا الجزء منه ، وهو لما كان الرسول صلوات الله عليه وآله في مرضه ، وجاءه الإمام علي عليه السلام ، بعد أن قال ثلاث مرات ادعوا إلي أخي ، فأرسلت فاطمة عليها السلام إلى علي ، فجاء فلما رآه النبي قال : ادن مني فدنا منه فقال : اجلسني فأجلسه ثم قال : احضني فأحتضنه فقال : اسندني إلى صدرك فأسنده ، قال : علي السلام ، فما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يسارني ويحدثني ، وإني لأجد برد شفتيه ولسانه في أذني ، حتى قبض صلى الله عليه وآله ، قال : وكان آخر ماعهد إلي أن قال : الصلاة الصلاة ، وماملكت أيمانكم ، قال علي عليه السلام : وهي آخر وصايا الأنبياء صلوات الله عليهم .

فأوصيكم بآخر وصايا النبياء صلوات الله عليهم
بنج ..

عندما لا يقدر الإنسان عظمته

عندما نقول بأن الإنسان هو محصول العالم فإعلم أن في خلق الإنسان غرائب وعجائب لا يعلم عددها وسرها إلا الله سبحانه وتعالى ‏فيقول الحكيم هرمس عليه السلام : أن الإنسان أعجوبة وأن الإنسان مثله مثل الكون كل واحد من أجزاء مختلفات ‏ومن أقواله أيضاً : الانسان أعجوبة تستحق التشريف والتبجيل فله صفات الملائكة كما لو كان واحد منهم لأنه علم أنه نشأ من نفس الأصل ‏وأيضاً قال هرمس عليه السلام : للإنسان طبيعة مزدوجة فهو فاني الجسد خالد الذكاء يعلو على السماء لكنه ولد عبداً للمصير ‏وقال أيضاً : قد يعرف الإنسان ذاته فيعرف الكون بالوعي وقد كان العلماء يطلقون إسم العالم الصغير على الإنسان والإنسان الكبير على العالم كله ‏ومن هنا يجب علينا أن نذكر أبيات خير الأوصياء مولانا علي ابن ابي طالب صلوات الله عليه وعلى اله ، 

 حينما قال ‏وفيك إنطوى العالم الأكبر فكيف ينطوي فينا هذا العالم الأكبر وقد قيل أنه لما كان العالم كبيرا وعمر الإنسان قصيراً جعل فيه ليقدر على تأمله ‏فلو عدنا لما ذكره الإمام التقي الحكيم الصادق صاحب الرسائل عليه السلام سنجد جوابا شافيا ملهما يحثنا دائما على التأمل والتفكر في خلق الله ‏وذلك أنه لما كانت الأفلاك تسع طبقات مركبة بعضها جوف بعض كذلك وجد في ترتيب جسد الانسان تسع جواهر بعضها جوف بعض ملتفات عليها مماثلة لها وهي العظام والمخ اللحم والعروق والدم والعصب والجلد والشعر والظفر فجعل المخ في جوف العظام مخزوناً لوقت الحاجة إليه ‏ولف العصب على مفاصله كيما يمسكها فلا تنفصل وحشا خلا ذلك اللحم صيانة لها ومد في خلل اللحم العروق والأوردة الضاربة لحفظها وصلاحها ‏وكسا الكل بالجلد ستراً وجمالاً لها وأنبت الشعر والظفر من فضل تلك المادة لمأربها ، فصار مماثلاً لتركيب الفلك بالكمية والكفية جميعاً ‏لما كان الفلك مقسوما اثني عشر برجا وجد في بنية الجسد اثناعشر ثقبا مماثلا وهي العينان والاذنان والمنخران والثديان والفم والسرة والسبيلان ‏ولما كانت الابراج ستة منها جنوبية وستة منها شمالية كذلك وجدت ست ثُقب ، في الجسد في الجانب اليمين ‏وستُ في الجانب الشمال مماثلة له بالكمية والكيفية جميعاً ‏ولما كان في الفلك سبعة كواكب سيارة بها تجري أحكام الفلك والكائنات وكذلك وجدت سبع قوى في الجسد فعاله بها يكون صلاح الجسد ولما كانت هذه الكواكب ذوات نفوس وأجسام لها أفعال جسمانية في الاجسام وافعال روحانية في النفوس كذلك وجدت في الجسد سبع قوى جسمانية ‏وهي القوة الجاذبة والماسكة والهاضم والدافعة ، والغاذية ، والنامية والمصوّرة ‏وسبع قوى أخرى روحانية وهي القوى الحساسة أعني الباصرة والسامعة والذائقة والشامة واللامسة والقوة الناطقة والقوة العاقلة ‏وكما كان في الفلك عُقدتان وهي الرأس والذنب ، وهما خفيَّا الذات ظاهر الافعال بهما سعادات الكواكب ونحوساتها كذلك وجد في الجسد أمران خفيان الذات ظاهر الافعال بهما صلاح بنية الجسد وصحة الافعال للنفس وهما صحة المزاج وسوء المزاج ‏وذلك أنه إذا صح مزاج أخلاط الجسد صحت أعضاؤه واستقامت أفعال النفس وجرت على الأمر الطبيعي ‏وإذا فسد المزاج اضطربت البنية وعيقت أفعال النفس عن جريها على السداد وأضر ما يكون نحوسة العقدتين على النيرين ‏وماورد في تشابه تركيب جسد الإنسان مع الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض وجد في بنية الجسد أربعة أعضاء وهي تمام جملة الجسد أولها الرأس ثم الصدر ثم البطن ثم الجوف إلى أخر قدميه ‏فهذه الأربعة موازية لتلك وذلك أن رأسه موازي لركن النار من جهة شعاعات بصره وحركة حواسه ‏وصدره موازٍ لركن الهواء من جهة نفسه واستنشاقه الهواء وبطنه موازٍ لركن الماء من جهة الرطوبات التي فيه ‏وجوفه إلى اخر قدميه موازٍ لركن الأرض من قبل انه مستقر عليه كاستقرار الثلاثه الباقيه فوق الارض وحولها ‏ومازال الإنسان عالماً صغيراً بحجمه كبيراً بتفاصيله وعظيماً بسره وخفاياه فسبحان الذي تعالى عنا علواً كثيرا .

بنج ..

الغاية الأسمى

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد واله الطيبين الطاهرين 

      بدايةً أحب أن أنوه أن ما سأذكره قد يكون صادماً للبعض ومحبطاً لهم ليس لأنه خطأ بل لأن الغرائز الدنيوية والشهوات الجسدية هي المتحكم الأول بنطق وخيال من يصيبه الإحباط ، فموضوعنا اليوم هو عن الغاية الأسمى والفوز العظيم ، وبعض السبل الهادية لها وحث المرء على أن يكون خيراً طامعاً لما طمع له العظماء بعيداً عن الشهوات الدنيوية ، فعندما بدأ الأنبياء والرسل بالهبوط من عالم الروح إلى عالم الكون والفساد لإخراج الناس منه رحمةً من الله ومنهم لم يعجب الناس مايبشرون به لمن إتبعهم وسار على نهجهم ، لأن آثار الخطيئة السابقة تلازمهم كما يلازم الشخص شيطانان يجريان منه مجرى الدم ، وكما ذكرت سابقاً الغرائز الحيوانية والشهوانية مازالت تأسر ناطقته، وخياله ، وذاكرته ، فأخذ المبشرين يضربون الأمثلة ويقربون لهم بالإشارات التي تتناسب مع قدرة إحتمال عقولهم رأفةً بهم ورحمه ،لينجذبوا إلى السراط المسقيم وطريق الخلاص والتطهير ، فما هي الغاية الأسمى والفوز العظيم ، الذي يشتاقه كل متأملٍ ذي عقل ، صحيح القلب سليم الرأي ، ويكرهه كل ذي جهل ، مريض القلب محباً للشهوات ، فنقول بأن الغاية الأسمى هي القرب من الله وأنبياءه ورسله والصعود لعالم الروح والريحان عالم القدس والملكوت الأعلى خالين من الأجساد وثقلها ومن الذنوب ووزرها ومن الآلام وحزنها ، نسبح بين الكواكب والأفلاك ونكون في كل شيء متصلين بالقوى القدسانية والأنوار الشعشعانية خالدين فيها أبدا ، في سعادة محضة نسبح بتسبيح سكانها ونستمع لصوت كواكبها وأفلاكها ، ذات النغمات البديعة والألحان اللذيذة ، فهذه هي الغاية الأسمى وهو الفوز العظيم ، عندما نعود لمنازلنا حيث كنا من أصحاب اليمين ، فبعد أن عجز عن الوصف حقيرٌ مثلي ، أترككم لهذه المقولات الروحانية والحروف التأملية ، بإستعراض بعض المقتطفات من أقوال بعض الأنبياء والأئمة والدعاة الصالحين ، فنبدأ بكلام خير الأوصياء علي ابن ابي طالب عليه السلام حتى تتضح الصورة في أن الغاية الأسمى لدى المؤمنين الصالحين هي القرب من الله سبحانه وتعالى والدنو منه ، وليس كما يطمع الطامعون أو يخاف الخائفون ، علماً أنه سيأتي أحدهم ليقول بأني أنكر الجنة والنار ،لا يهم ، فيقول الإمام علي عليه السلام :

          [ إلهي ماعبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً بجنتك ، إنما وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ]

              فهل لك يا أخي أن تتخيل كيف يعبد الأحرار ربهم ! فأحياناً قد ترغب في نسف موضوعك الأصلي وتتوجه لمدح عظمة وعلوا شأن الإمام علي لكني

                سأكتفي بما قال المتنبي : 

                  * وتركت مدحي للوصي تعمداً

                    * إذا كان نوراً مستطيلا شاملا

                      * واذا استطال الشيء قام بنفسه

                        * وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا 

                            فنعود لموضعنا لنطرح هذه النصائح والحروف التي هي من أعظم التعاليم التي خلدتها الصحائف والأقلام ، تعاليم هرمس الحكيم ، الذي هو النبي ادريس عليه السلام الذي رفعه الله مكاناً عليا .

                              تنويه – [ آتوم ]، إسم من أسماء الله سبحانه 

                                فيقول الحكيم في الميلاد الجديد : 

                                  [ لن يصل أحد إلى الخلاص مالم يولد من جديد فطهر ذاتك من أدران المادة إن أردت أن تولد من جديد إن أولها الجهل ، وثانيها الحزن ، وثالثها عدم ضبط النفس ، ورابعها الشهوة ، وخامسها الظلم ، وسادسها الطمع ، وسابعها الخديعة ، وثامنها الحسد ، وتاسعها الخيانة ، وعاشرها الغضب ، والحادي عشر هو التهور ، والثاني عشر هو الحقد ، وينطوي تحت تلكم جميعها كثيرٌ غيرها ، تجبر الانسان الحبيس في سجن الجسد علي معاناة العذاب الذي تولده ولكنها تنزاح كلها برحمة آتوم ليحل الفهم ، هذه طبيعة الميلاد من جديد ، وهو الطريق الوحيد إلى الحقيقة ، وهو الطريق الذي اتبعه أسلافنا للوصول إلى الخير ، والإحسان القديم هو طريق إلهي مقدس على الرغم من صعوبة سفر الروح في الجسد ، وأولى خطوات الروح هي الحرب مع شهوات الجسد ، وهو صراع بين الوحدة والتعدد، فأحدهما يهدف إلى التوحد بينما يهرع الآخر إلى الانقسام فمن يولد من جديد يتوحد مع الأب الواحد الذي هو النور والحياة ، ولن ترى الرؤية العلية سوى بالإمتناع عن الكلام عنها ، فالعرفان سكون الحواس ، والذي يعرف جمال الخير والاحسان الأول لن يعلم سواه ، جمال الإحسان الذي سوف يجتذب لا يسمع شيئاً، ولن يحرك جسده ، وسينسى حواسه الجسدية ، بينما ينشغل عقله في فصل روحه عن الجسد، ليوحده مع الكائن الخالد أبدا فالإنسان لن يستطيع أن يصير ملاكاً طالما كان يعتقد أنه جسد فحسب ، فلابد له أن يتحول بجمال الإحسان الخالد حتى يصبح إلهياً ، الحكمة رحم الميلاد من جديد والحمل هو الصمت والبذرة هي الإحسان والذين ولدوا من جديد لم يعودوا كما كانوا من قبل ، فقد أصبحوا إلهيين ، أبناء آتوم الإله الواحد فهم يتسعون لكل شيء، وهم في كل شيء وليسوا من المادة في شيء ، فهم عقل محض والميلاد من جديد ليس نظرية يمكن أن تحاول دراستها ولكن بمشيئة آتوم سوف يذكرك فالمرء لا يأمل في معرفة آتوم إلا بضبط شهواته ، وترك الأقدار لتصنع ما تشاء بجسده الطيني ، الذي ينتمي الى الطبيعة وليس إليه وليس له أن يحسن حياته بالسحر، أو يعارض قدره بالقوة ، بل عليه أن يترك الضرورة لتسلك سبلها وذو البصيرة يرى كل الأمور حسنة مهما بدت لغيره سيئة ويرى كيف بادر الناس له بالمكائد في ضل معرفته بآتوم الذي هو وحده يحول الشر إلى خير ، وبالتأمل فقط سوف تدرك أن كل ما قلته لك صحيح ، ولن تدرك بغير ذلك ولن تصدقني فالإيمان ينبع من التأمل ، والكفر يصدر من قلة الفكر الكلام للتفكر في الأشياء حتى قرارها وحده لا يستطيع التعبير عن الحقيقة ، لكن قوة العقل فائقة ، وحين يقودها الكلام فإنها تجد سلام الإيمان الحق ولن تفهم تعاليمي إلا بقوة العقل لقد رسمت لك قدر استطاعتي شبها لآتوم ، ولو نظرت إليه بعين قلبك فسوف يقودك إلى معراج التعالي اولئك الذين رأوها وتأخذ بأيديهم ترشدكم الرؤيا ذاتها بالقوة المخصوصة بها والكامنة فيها ، إذ هي تتملك كالمغناطيس الذي يجذب الحديد من الأرض فهذه رحلة المعرفة ، فسارع إليها وبالرغم من صعوبة هجر المألوف للعودة الى المنزل القديم الذي منه نشأنا، إلا أن لطف آتوم سابغ ، وكرمه لا ينتهي إنه بطبيعته كالموسيقى الذي يؤلف توافقات الكون ، ويوحي الى كل فرد بإيقاعات موسيقاه فإذا كانت الموسيقى نشازا فلا تلم المؤلف ، بل أوتار القيثار التي ترهلت لتلوث جمال النغمات ، حتى أن عيوبها لاحظت أنه عندما يتعامل الفنان مع موضوع نبيل تصبح قيثارته منضبطة بشكل كبير لكي تنطق بأمجاد موسيقية تدهش سامعيه ، واعترف أن الأمر كان كذلك معي رغم ضعفي ، وصارت موسيقاي جميلة بقوة آتوم ، وكذلك سوف تصبح موسيقاك كاملة ليس هنالك تنافر بين سكان السماء ، فليس لهم سوى غرض واحد ، وعقل واحد ، وشعور واحد ، حيث تربطهم تميمة الحب في كل متناسق ، وسوف يبدو لهم الجانب الأرضي من الكون وقحاً وغثاً بدون ألحان التسابيح الحلوة ولهذا أرسل آتوم جوقة ملائكة الغناء لتعيش بين بني البشر وتلهمهم بالموسيقى حتي يمجدوا الله بالتسابيح مع أناشيد السماء ، فلنسبح بحمد آتوم بعرفانٍ عميق ، فإنه يقبل كلمات الحمد ] “

                                    ، فما أعظم هذه النصائح وما أعظم هذه البشارة ، فتحتار في العين دمعة وفي الحلق غصة حباً وشوقاً لما صورته المخيلات ، فلنكمل بما قاله المسيح عليه السلام للحواريون أتباعه حيث قال :

                                       [ إنما جئتكم من عند ابي وابيكم لأحييكم من موت الجهالة واداويكم من مرض المعاصي وأبرئكم من مرض الأراء الفاسدة والأخلاق الرديئة والأعمال السيئة كيما تتهذب نفوسكم وتحيا لروح المعارف وتصعدوا لملكوت السماء عند أبي وابيكم فتيعشوا هناك عيش السعداء وتتخلصوا من سجن الدنيا وآلام عالم الكون والبلى التي هي دار الأشقياء وجور الشياطين وسلطان إبليس ] “

                                        ولنعرض بعض ما ذكره صاحب الرسائل عليه السلام فقال :

                                          [ ” لو كانوا يعلمون أبناء الدنيا الذين يريدون الحياة الدنيا ، ويتمنون الخلود فيها يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ، وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر فأعيذك أيها الأخ أن تكون منهم ، بل كن من أبناء الآخرة وأولياء الله الذين مدحهم بقوله تعالى توبيخاً لمن زعم أنه منهم فقال جل جلاله -:” قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء الله من دون الناس، فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ” فبادر يا أخي واجتهد في طلب المعارف الربانية واكتساب الأخلاق الملكية ، وسارع إلى الخيرات من الأعمال الزكية قبل فناء العمر وتقارب الأجل ، واغتنم خمساً قبل خمس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغتنم فراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وصحتك قبل سقمك ، وشبابك قبل هرمك ، وحياتك قبل موتك ، وتزود فإن خير الزاد التقوى ، فلعلك توفق للصعود إلى ملكوت السماء وسعة الأفلاك ، وتدخل إلى الجنة عالم الأرواح بنفسك الزكية الروحانية لا بجسدك الجثة الجرمانية ، وفقك الله أيها الأخ للسداد ، وهدانا وإياك للرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد إنه رؤوف بالعباد ] 

                                            ويقول الحكيم المؤمن فيثاغورس مخاطباً تلميذه ديوجانس في وصيته الذهبية : 

                                              [ اذا فعلت ماقلت لك ياديوجانس وفارقت هذا البدن حتى تصير نحلا في الجو فتكون حينئذ سائحاً غير عائد الى الانسانية وغير قابل للموت ]

                                                ويقول الفيلسوف الموحد ارسطاطاليس :

                                                  [ إني ربما خلوت بنفسي كثيرا ، وخلعت بدني فرصت كأني جوهر مجرد بلا جسم ، فأكون داخلاً في ذاتي وراجعاً إليها ، وخارجاً من سائر الأشياء سواي ، فأكون العلم والعالم والمعلوم جميعاً ، فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء مابقيت متعجباً ، فأعلم عند ذلك بأني من العالم الشريف جزؤٌ صغير ، فإني لمحيا فاعل ، فلما أيقنت بذلك ، ترقيت بذهني من ذلك العالم الإلهي ، فرصت كأني هناك متعلق بها ، فعند ذلك يلمع من النور والبهاء ، مايكل الألسن عن وصفه والإذعان عن سمعه ، فإذا استغشي في ذلك النور وبلغت طاقتي ، ولم أقوى على إحتماله ، هبطت في عالم الفكرة ، فحجبت عني الفكرة ذلك النور ، وتذكرت عند ذلك أخي يرقليطوس ، من حيث آمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة بالصعود إلى عالم العقل ] ” 

                                                    ولنتدبر دعاء الفارابي حين دعا ربه قائلاً :

                                                      [ اللهم ألبسني حلل البهاء وكرامات الأنبياء وسعادة الأغنياء وعلوم الحكماء وخشوع الأتقياء ، اللهم انقذني من عالم الأشقياء والفناء وإجعلني من إخوان الصفاء وأصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصديقين والشهداء ]

                                                         وأيضاً لا ننسى النصيحة العظيمة التي قدمها الشيخ الرئيس إبن سينا قدس الله روحه فيقول : 

                                                          [ ليكن الله تعالى أول فكرٍ له وآخره ، وباطِن كل اعتبار وظاهره ولتكن عينُ نفسِك مكحولةً بالنظر إليه ، وقَدمها موقوفةً على المثول بين يديه ، مسافِرًا بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى ، وإذا انحط إلى قراره ، فلينزه الله تعالى في آثاره ، فإنه باطنٌ ظاهر ، تجلى لكل شيءٍ بكل شيءٍ ، ففي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحد ، فإذا صارت هذه الحالة له ملكة ، انطبع فيها نقشُ الملكوت ، وتجلى له قدس اللاهوت ، فألِف الأُنسَ الأعلى ، وذاق اللذة القصوى ، وأخذه من نفسه من هو بها أولى ، وفاضت لها السكينة ، وحُقَّت لها الطمأنينة ، وتطلع على العالم الأدنى اطّلاع راحمٍ لأهله ، مستوهِن لِحبله ، مُستخفٍّ لثقله ، مستخشٍ به لعُلقه ، مُستضل لطرقه ، وتذكر نفسه وهي بها بهجة ، وببهجتها بهجة ، فيعجب منها وتعجبهم منه ، وقد ودعها ، وكان معها كأن ليس معها ، وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة ، وأمثل السكنَات الصيام ، وأنفع البر الصدقة ، وأزكى السّر الاحتمال ، وأبطل السعي المراءاة ، ولن تتخلص النفس عن الدرن ، ما التفتت إلى قيلٍ وقال ، ومنافسة وجدال ، وانفعلت بحالٍ من الأحوال ، وخيرُ العمل ما صدر عن خالص نيّة ، وخيرُ النية ما ينفرج عن جنابِ علم ، والحكمة أم الفضائل ، ومعرفة الله أول الأوائل ، إليهِ يصعد الكَلِمُ الطيب والعمل الصالح ، يرفعه كذلك يهجر الكذب قولاً وتخيلاً حتى تحدث للنفس هئية صدوقة فتصدق الأحلام والرؤيا وأما اللذات فيستعملها على اصلاح الطبيعة وإبقاء الشخص أو النوع وأمّا المشروب فيهجرُ شربُه تلهيا لا تشفيا وتَدَاويا ، ويعاشر كل فرقةٍ بعادته ورسمه ، ويسمح بالمقدور والتّقدير من المال ، ويركب لمساعدة النّاس كثيرًا ممّا هو خلاف طبْعه ، ثم لا يقصّر في الأوضاع الشرعية ، ويعظم السُّنن الإلهيّة ، والمُواظَبَة على التعبدات البدنيّة عاهد الله أن يسير بهذه السيرة ويدين بهذه الديانة والله ولي الذين آمنوا وهو حسبنا ونعم الوكيل ] 

                                                            فبعد أن علمنا كيف يتصور العظماء بشارتهم أما آن لنا أن نغير نظرتنا لما نطمع ونسعى للتغير فيكفينا حباً للشهوات ويكفينا تمنياً لها في عالمٍ خليٍ منها ، عالم لا يخطر على بال بشر ، فاللهم ألحقننا بالعالم الروحاني و المحل النوراني وارزقنا منهم الرفيق الأعلى واللهم أخرجنا من هذا العالم البالي الفاني الكدر الظلماني والكثيف الجسماني إيانا وجميع المؤمنين إخواني برحمتك يا ارحم الراحمين ، وأهدي لجميع من يقرأ الآن هذا الدعاء العظيم دعاء ” تنوير القلب ” ووفقنا الله وإياكم وأرشدنا لسواء السبيل بحق محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين .

                                                                                  [ دعاء تنوير القلب ]

                                                                                    ﷽

                                                                  اللهم إني أعلم ان لك نسمات لطف إذا هبت على مريض عقل شفته ولك نفحات عطف إذا توجهت الى أسير هوى أطلقته وإن لك عناية إذا لاحظت غريقاً في بحر الهيولى أنقذته وإن لك رحمة إذا أخذت بيد شقي أسعدته وإن لك لطائف إذا ضاقت الحيل بالمذنب وسعته فأهب اللهم علي من لطفك نسمة يشفى بها مرض عقلي وإنفحني من عطفك نفحة تطلق بها أسري من هوى أهوائي وألحظني من عنايتك ملاحظة تنقذني من بحر ضلالتي وآتني من لدنك رحمه تبدلني بها سعادة من شقاوتي وأعطني من كرمك ماترزقني الإنابه إليك مع صدق اللجأ وأهلني لقرع باب جودك حتى يتصل قلبي بما عندك وترفع يد سؤالي بالإبتهال لطلب معرفتك وأتخذك مفزعاً أرفع إليك حاجتي وأعتمد عليك في جميع حالاتي برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم عليهم اجمعين .

                                                                    بنج ..

                                                                    السوفسطائيين

                                                                    الفلسفة اليوناية القديمة، كانت تفرق بين المادة والعقل (أناكساجوراس)، وبين الطبيعة والإنسان. لكن إبان نهاية القرن السادس وبداية القرن الخامس قبل الميلاد، انصرفت الفلسفة اليونانية منذ ذلك الحين إلى الإنسان وخصته بالبحث والدرس. كان أول من شق هذا الطريق هم جماعة السوفسطائيين.
                                                                    لم يكوّن السوفسطائيون مدرسة فلسفية لها آراءها الخاصة التي تربطها عقيدة فكرية منظمة. إنما كانوا طائفة من المعلمين، متفرقين في بلاد اليونان، يتخذون التدريس حرفة. كانوا يرحلون من بلد إلى بلد، يلقون الدروس ويتخذون لهم تلاميذ. يتقاضون على تعليمهم أجرا. 
                                                                    لم تكن دروس السوفسطائيين للطلبة موضوعات فلسفية تقليدية عن الحقيقة و الصدق وخلافه، إنما كانت دروسا تشرح طريقة إقتناص الفرصة، والوصول إلى السلطة. أو تمارين لإجادة فنون المناظرة والإقناع. وكانت محاضراتهم، تشمل أيضا دروسا في التاريخ وقواعد اللغة والنحو. لكنهم أهملوا تدريس الرياضيات والفيزياء.
                                                                    أشهر السفسطائيين هو بروتاجوراس (490 – 420 ق م). كان يقول ما يفيد بأن الطريق للوصول إلى النجاح، هو الإعتراف بعادات المجتمع وقبولها. لا لأنها صحيحة، ولكن لأن هذا أفيد للفرد الراغب في النجاح. أو كما نقول نحن بالبلدي “خليك مع الرايجة”، و “إركب الموجة”. إذا كانت الموجة هي موجة الإسلاميين، فلنكن إسلاميين.
                                                                    بالنسبة لبروتاجوراس، ليس هناك عادة صحيحة وأخرى خاطئة. العادة ببساطة قضية نسبية. ليست العادة فقط، ولكن كل شئ نسبي. يخضع لحكم الشخص وتقديره. لذلك جاء قول بروتاجوراس الشهير: “الإنسان مقياس للأشياء”. وهو بذلك يكون أول من فكر في قوانين النسبية. ويقول البعض أنه قد ألهم البرت أينشتين بفكرة النسبية. فلا يوجد جديد تحت الشمس.
                                                                    فمثلا، ثقافتنا الشرقية تعطي إهتماما بالغا لعفاف المرأة وشرفها. لكن الإسكيمو عندما يحل عليه ضيف، يترك زوجته تشاركه الفراش، كنوع من حسن الضيافة والكرم. وعندما يكون القمر بدرا، يطفئون المصابيح ويتبادلون الزوجات. الشرف هنا نسبي كما يقول بروتاجوراس. يختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان.
                                                                    أفكار بروتاجوراس كانت هي أساس أفكار السوفسطائيين. لكن بروتاجوراس تم إتهامه بسب الآلهة، وأحرق كتابه في ميدان عام بمدينة أثينا. بعض السطور القليلة التي أنقذت من الحريق كانت تشكك في وجود الآلهة وتقول: “أنا لا أعرف شيئا عن الآلهة”.
                                                                    سفسطائي ثان هو جورجياس (483 – 375 ق م). حارب الفلسفة وأراد أن يسقطها من عليائها, وقام بإستبدالها بعلم البيان. في محاضراته وفي الكتاب الذي ألفه، أثبت المقولات الثلاثة الآتية:
                                                                    1- ليس هناك شئ موجود. (يعني خلاها ضلمة)

                                                                    2- إذا كان هناك شيئا يمكن معرفته، فلا يوجد من يعرف هذا الشئ. (الناس كلها أغبياء)

                                                                    3- إذا عرف شخص ما شيئا معينا، فلن يستطيع نقل هذه المعرفة إلى شخص آخر. (اللغة قاصرة وبظرميط)
                                                                    الفكرة هنا أنك لو إستطعت برهان هذه التخاريف الثلاثة، فيمكنك برهان صحة أي شئ. 
                                                                    يأتي بعد ذلك سفسطائي ثالث، هو سراسيماخوس المعروف بالقول المشهور: “العدالة تكون دائما في جانب الأقوى”. ونحن نعرف الآن، من تجاربنا المريرة فى الحياة، أن القوانين مثل بيت العنكبوت. يتلعثم فيها الضعيف ويمزقها القوي. 
                                                                    حزب الوفد في بلادنا يتبنى مقولة سعد زغلول: “الحق فوق القوة”، وسراسيماخوس يقول “القوة فوق الحق”. ونظام الحكم في بلادنا يثبت أن سراسيماخوس كان أصدق من سعد زغلول وحزب الوفد. 
                                                                    الكلام عن الأخلاق هو في الواقع صراع خفي على السلطة. قضية الحجاب والنقاب في بلادنا اليوم، حسب رأي سراسيماخوس، هي قضية بسط نفوذ وإستعراض عضلات، قبل أن تكون قضية أخلاق. 
                                                                    إثنان آخران هما كاليكليس وكريشياس. كانا سفسطائيين ساخرين. كاليكليس كان يعتبر أن الأخلاق التقليدية هي مجرد أمل الضعفاء والمساكين في كبح جماح الأقوياء. 
                                                                    أنا غير قادر على هذا المفتري الذي يحتكر السلطة وينهب ثروات البلد. لذلك أنادي بالأخلاق وأتوسل للطاغي لكي يلتزم بها. التوسل والإستعطاف هو الخيار الوحيد الباقي للضعيف. خيار السلام أصبح قضية أخلاقية للعرب اليوم. لأن السلام هو حيلة العاجز وسلاح الضعيف. 
                                                                    كان يعتقد كاليكليس في نفس الوقت، أنه من واجب القوي التخلص من هذه القيود المسماة بالأخلاق عندما يستطيع. لأن هذا هو حقه الطبيعي. هل إسرائيل تفعل غير إستخدام حقها الطبيعي في سرقة الأرض وإبادة الشعب الفلسطيني، لأنها أقوى من العرب مجتمعين. كاليكليس لم يكن مخطئا أبدا. 
                                                                    المهم هنا هو أن يطلب الناس السلطة والقوة بدلا من طلب العدالة. أو كما يقول أولاد البلد “طظ في العدالة”. لكن لماذا القوة والسلطة شئ جيد يجب أن نسعى إليهما؟ لأنهما وسيلة للبقاء. 
                                                                    لماذا البقاء شئ جيد؟ لأنه يقود إلى المتعة والرفاهية. السكن في القصور ولبس الثياب السندس الخضر وإستبرق، واقتناء السرائر والقنان، وركوب الجياد المطهمة، والإستمتاع بالطعام والشراب والجنس. هذه أهدافنا جميعا الغير معلنة، والتي نتمناها ونخزنها في عقلنا الباطن.
                                                                    وهذا ما يجب أن يطلبه الإنسان الذكي. ولا يجب أن تضيع الوقت، و “تخلّى نفسك في حاجة”. قيم اليونانيين القديمة التي تدعو إلى الوسطية والإعتدال، هي ببساطة قيم “يوك” كما يقول الأتراك، لا تصلح إلا للضعفاء والمساكين.
                                                                    كريشياس، الذي تبين أنه أقسى السفسطائين، قام بمناهضة الديموقراطية، والدعوة إلى الدكتاتورية. كانت دروسه تنصح الحاكم الذكي باستخدام الخوف والرعب، والدعوة لعبادة آلهة وهمية، للسيطرة على رعاياه. وهو سابق لميكافيللي في إستخدام مقولة: ” الغاية تبرر الوسيلة”. وألعن من ميكافيللي في النصيحة بإستخدام الدين وتوظيفه لمصلحتك الشخصية.
                                                                    من هنا يتضح أن جوهر السفسطائية يتضمن عدم الموضوعية والشك والعدمية. بمعنى أن القيم والمعتقدات التقليدية للمجتمع لا أساس لها من الصحة. وأن الوجود لا معنى له ولا غناء فيه ولا يستحق ثمن بصلة. مما يجعل الهدم لقيم المجتمع أمرا واجبا ومرغوبا فيه لذاته، بمعزل عن أي برنامج إنشائي.
                                                                    ليس هناك حقيقة موضوعية. إذا وجدت، الإنسان غير قادر على إستيعابها. الذي يعنينا هنا هو الوسيلة والتلاعب بالحقيقة، وليست الحقيقة نفسها التي من الصعب الحصول عليها.
                                                                    لذلك لا نتعجب من إمتعاض سقراط من فكر السفسطائيين. لكن هناك جانب إيجابي في فكر السفسطائيين. أولا، الكثيرون منهم كانوا سياسيين مهرة. لهم إسهامات كبيرة في تاريخ الديموقراطية. 
                                                                    ثانيا، كرهنا لأفكارهم ينبع من كره سقراط وأفلاطون لهم، وأفلاطون هو الذي نقل لنا أخبارهم. نحن نستمع إلى طرف واحد. 
                                                                    ثالثا، كان لهم تأثير إيجابي على الوعي الإنساني وإيقاظه. فأصبح الإنسان موضع الإهتمام. الإنسان مقياس للأشياء كما قال بروتاجوراس. الإنسان بدأ يهتم بنفسه ووضعه في هذا الكون.
                                                                    السفسطائيون الذين كانوا مدرسين محترفين، واجهوا ندا لهم شرس شديد المراس. هو الآخر مدرس محترف، لكن يعتبر من أعظم المدرسين اللذين عرفهم التاريخ. سقراط (469 – 399 ق م). 
                                                                    بالرغم من أن سقراط كان يعارض السفسطائيين في أفكارهم، إلا أنه قد نهج منهجهم في التحول عن دراسة طبيعة الكون، وركز على طبيعة الإنسان. لكنه إلتزم بالموضوعية في كل حججه وأسسها على تعاريف صحيحة مقنعة. إي أنه نزل بالفلسفة من السماء ومن عليائها إلى الأرض. وأسس أصولها وقواعدها السليمة.
                                                                    لكي تقول أن “الإنسان مقياس للأشياء”، فأنت في الواقع لم تقل شيئا له معنى أو قيمة. إلا إذا كنت تعرف ماذا تعني بكلمة إنسان وكلمة مقياس. لماذا الإنسان هو مقياس للأشياء بدلا من الحمار أو القرد، مثلا؟
                                                                    تركزت جهود سقراط في إتجاهين: الأول، التركيز على مفهوم التعاريف وموضوعيتها. يعني إيه كلمة “إنسان”. وما معنى كلمة “الحق” و”الصدق” و”الأمانة”، الخ. 
                                                                    الجهد الآخر، كان يهتم بالغوص في أغوار النفس الإنسانية من الداخل، للبحث عن مصادر الحقيقة والصدق. هذا عمل لم يكن قاصرا على دروس نهاية الأسبوع لتلاميذه، لكنه عمل مستمر كان بمثابة رسالة سقراط طيلة حياته. 
                                                                    لم تكن عادة سقراط إجابة الأسئلة والقضايا التي كان يطرحها. وكان يقضي جل وقته في الشارع والأماكن العامة بمدينة أثينا. يسأل الناس إن كانوا يعرفون شيئا مؤكدا. وكان يقول أنه لو كانت هناك حياة أخرى، فهو لن يتردد في طرح نفس الأسئلة والقضايا على أرواح الناس في العالم الآخر. 
                                                                    من المضحك أن سقراط كان يعترف بأنه لا يعلم شيئا. لهذا قالت كاهنة دلفي أن سقراط هو أحكم رجل بين الرجال. لأنه على الأقل يعلم أنه جاهل. بينما الآخرون يعتقدون خطأ أنهم يعرفون بعض الشئ. وله القول المشهور: “أيها الإنسان، إعرف نفسك”. ترى كم منا من يعرف أنه لا يعلم شيئا؟ وخصوصا حكامنا ومن بيدهم مصائرنا. 
                                                                    لم يكتب سقراط في حياته كتابا واحدا. لكن محادثاته قام بنشرها تلميذه النجيب أفلاطون تحت عنوان محاورات سقراط. وكانت محاورات سقراط، ينقسم كل منها إلى ثلاثة أقسام:

                                                                    1- طرح المشكلة للنقاش(على سبيل المثال، مشكلة تعريف العدالة أو الحقيقة أو الجمال،…إلخ). 

                                                                    2- يكتشف سقراط خطأ بسيطا في تعريف الشخص الذي يجادله. وببطء، يظل يركز عل هذا الخطأ إلى أن يجبر المجادل على الإعتراف بجهله. في أحد المحاورات، جعل خصمه يجهش بالبكاء ويزرف الدموع.

                                                                    3- في النهاية يعترف كلا من المجادلين بجهله، ويتعهدا بالبحث عن الحقيقة بجدية وإهتمام أكثر. 
                                                                    غالبا ما كانت تنتهي المحورات بدون حسم. سقراط لا يستطيع أن يفرض الحقيقة على غريمه. كلا منا عليه أن يبحث عن الحقيقة بنفسه.
                                                                    في بحث سقراط عن الحقيقة، قام بإحراج شخصيات كبيرة وهامة من مواطنيه. فتآمر أعداؤه عليه، وقاموا بإتهامه كذبا بالتجديف في حق الآلهة وإفساد الشباب. وقاموا بمحاكمته على أمل إذلاله وإجباره على الركوع وطلب العفو.
                                                                    لكن سقراط لم يركع على ركبتيه. وبدلا من ذلك، قام بإحراج ممثل الإتهام وإغضاب مجموعة المحلفين البالغ عددهم 500 محلف. وقام بإظهار مدى جهلهم وغباوتهم. 
                                                                    عندما طلب منه إختيار طريقة عقابه. إقترح أن يقوم الأثينيون بعمل تمثال له ووضعه في ميدان عام بالمدينة. عند ذلك إستشاط المحلفون غضبا، وقاموا بالحكم عليه بالإعدام. 280 صوت موافق على عقوبة الإعدام، ضد 220 صوت غير موافق. 
                                                                    بسبب إحساس الأثينيين بالخزي لحكمهم بالإعدام على شخصية مرموقة مثل سقراط، كانوا على إستعداد للسماح له بالهرب من السجن إذا أراد، بعد رشوة حراس السجن. لكنه لم يرد.
                                                                    بالرغم من توسلات أصدقائه وتلاميذه، إلا أن سقراط رفض أن يهرب. قائلا أنه لو قام بإنتهاك أحكام القانون بالهرب، سوف يعني هذا الفعل أنه ضد القانون. وفضل أن يموت على أن يخرج عن قانون الجماعة التي ينتمي إليها، حتى وإن كان الحكم جائرا. 
                                                                    قام سقراط بتجرع السم وهو يتناقش مع تلاميذه حتى اللحظة الأخيرة في قضايا فلسفية. وبموته، أصبح سقراط رمزا عالميا للشهادة في سبيل الحق. هكذا مات أحكم وأنبل وأطهر وأفضل رجل. كما قال عنه تليمذه أفلاطون. فهل كانت محاكمة سقراط وإعدامه، دلالة على عسف سلطة الأغلبية في النظام الديموقراطي وتحكمها الظالم في الأقلية ؟ 

                                                                    محمد زكريا توفيق

                                                                    كيف يصير البراني جواني

                                                                    نبدأ هذه المقالة بإسم الله الرحمن الرحيم ، ونسأل هل سمعت بحجر الفلاسفة من قبل ؟ على الغالب نعم فهو أشهر من نارٍ على علم لكنه أقرب مايكون للأسطورة لذلك لا يعطيه بالاً ، فقد عرض هذا الإسم الغامض ، بإسم حجر الفيلسوف في الفليم الشهير

                                                                    [ هاري بوتر وحجر الفيلسوف ] 

                                                                    harry potter and philosophers ston 

                                                                    وأيضاً كان حجر الفلاسفة المحور الأساسي في أحد الإنميات اليابانية تحت إسم

                                                                    [ المعدني الكيميائي الكامل ]

                                                                    fullmaetal alchemist

                                                                    وأتى هذا الأنمي الكيميائي بأن حجر الفلاسفة هو غاية جميع الخيميائيين حيث أنه يكسر كل قوانين الطبيعة ، لكنها تبقى مجرد قصص خيالية ، أما لو أتينا للواقع فقد كانت جميع الحضارات البشرية تبحث عن هذا الحجر السحري حجر الفلاسفة وعن إكسير الحياة ، فلنذكر أولاً أشهر الكيميائيين المعروفين لدى الغالبية ، فكان من الذين بحثوا بحفواةٍ عن هذا الحجر هو العالم الشهير في وقتنا الحاضر [ إسحاق نيوتن ] فقد كان كيميائياً ففي عام 1940 م ، وجد [ جون ماينارد كنيس ] صندوقاً يحتوي على أوراق خاصة لإسحاق نيوتن كان يدوّن فيها محاولاته اللانهائية للبحث عن حجر الفلاسفة ، وأيضاً كانت هنالك محاولات من بعض الخيميائيين في الحضارات السابقة ، فقد إرتبطت الخيمياء بهذا الحجر والخيمياء علم شريف منذ القدم وقد اختلفت مسمياته مابين chio ، وشامان ، وchem ، وكمت ، حتى وصلنا لكلمة chemis وهي تدل على السيمياء التي عرفها المصريون القدامى ، وقد كانت الكيمياء عملاً محرماً لدى العامة ، ولدى تجار الدين من الكهنوت الديني وينسبونه للسحر والشعوذة والكفر ، وأنها أعمال شيطانية تتعدى على حقوق الله بتحويل صنعته وخلقه لشكل آخر ، وأيضاً في 140 م.ق في زمن الإمبراطور الصيني الشهير [ ووتي ] إنشغل الخيميائيون في عهده بالبحث عن حجر الفلاسفة أو إكسير الحياة ، الذي كان يطلق عليه اسم [ التان ] وسعوا جاهدين لصنعه لكن بائت جميع محاولاتهم بالفشل ، وأيضاً تعمقت الحضارات الإغريقية كذلك في صناعة الكيمياء وأيضاً الحضارات الغربية القريبة حاولت صناعته ، وقد قال : [ مارشال بيتر ] مؤلف كتاب حجر الفلاسفة ان رجلاً إدعى انه إكتشف حجر الفلاسفة قد زار عالماً سويسرياً يدعى [ جوهان هيلفيتس ] عام 1666 م وترك قطعةً صغيرة منه للعالم كي يحللها وغادر على وعد أن يعود إليه لكي يوضح له كيف له أن يصنع حجر الفلاسفة ، وبعد أن قام العالم السويسري باستخدام قطعة الحجر في تحويل نصف أوقية من الرصاص إلى ذهب نقي ، لم يعد الزائر الغامض مرة أخرى لكي يكشف للعالم السويسري كيف يمكنه صنع حجر الفلاسفة ، وبينما ظن البعض أن حجر الفلاسفة يصنع من الدماء ويكون بقدرته السحرية إكسيراً للحياة وقد ظن البعض أنه مصنوع من الزئبق ، ولذلك شرب الإمبراطور الصيني [ تشين شي هوانق ] الزئبق وتوفي على أثره متأملاً حياة الخلود ، وبعد ان إستعرضنا وجود الكيمياء وأكسير الحياة في حضارات البشر لنتكلم عن معتقداتهم ، وعن حجر الفلاسفة فنقول حجر الفلاسفة بكل بساطة هو حجر سحري يحول أي معدن إلى ذهب أو فضة ، أو أي معدن خسيس إلى معدن نفيس ، وهو حجر يصنع منه إكسير الحياة لأطالة عمر الجسد وشفائه من كل الأسقام ، ولم يرى أحد الحجر هذا ، لكنهم تخيلوا انه قطعة من حجر نفيس ، بل أعتقد أكثرهم أن له خاصية سائلة و كانت أغلب الظنون أن حجر الفلاسفة هو مسحوق أسطوري أحمر اللون لذلك كانت فكرته تداعب عقول البشر وكان محل إهتمام الشعوب كافة وخصوصاً الملوك وأصحاب الرتب الدنوية العالية ، ولك أن تصدق ولك أن تكذب ، لكن دعونا نتكلم عن قوى بعض الأحجار الاخرى بعيداً عن حجر الفلاسفة ، فكما نعلم بأن هنالك أحجار عدة لها قوى روحانية سحرية عجيبة وكأقرب مثال حجر [ الهبهاب ] ! فهو أقرب مايكون لحجر سحري لا أحد يعلم له سراً وله قوى روحانية شديدة ، ولو رأيت كيف أنها تخرج منه دماء حية لتعجبت وتسائلت كيف صنع ومما صنع ، ويكون الحجر حاراً كحرارة الدم الحي ويتم الحصول عليه بين أنقاض الآثار القديمة ، ولكنها في الغالب تكون مطلسمة بطلاسم سحرية ، ويمكن الكتابة به فهو يخط على الصفائح البيضاء ، وهو حجر أقرب مايكون استخدامه للشر والخبث ونعوذ بالله من كل شر ، ولنطرح مثالاً آخر عن بعض قوى الأحجار ، فعرق السواحل حجر روحاني له قدرات عجيبة أيضاً لا يسعنا ذكرها وهو أنواع وأقرب مايكون للتكذيب عرق السواحل القنفذي ، الذي ينتجه القنفذ بأكله أفعى شديدة السمية عندما يحتاج لقوة هذا الحجر لأي سبب من الأسباب ، ويتم الحصول عليه بالخلسة ، قبل أن يُبطل القنفذ مفعولة بطريقته الخاصة عندما ينتهي منه ، وأيضاً هناك حجر خرز الحية و تاج الأفعى ، أو مايسمى في تراثنا النجراني القديم ربما البعض سمع بها من أحد كبار السن [ لولوة المنا ] فلها قدرات روحانية عجيبة وتستخرج من الأفاعي وقت تزاوجها وتكون إما خرزتين ذكر وانثى ويتم الحصول عليها بطرق خاصة لا يعرفها إلا أناس مختصون وقلة ، وتستخرج من ذكر الأفعى ، أو تكون خزرة واحدة ينتجها الداب بأكله مئات الأفاعي السامة ، فتصبح ثقيلةً في بطنه فحينما يتعب من المشي يخرجها ليرتاح قليلاً وهذا الحجر يكون مضيئاً في الليل كالفسفور ، أو يستخدمها ليغري فرائسة من القوارض بنوره ، فإن صدف ووجدتها قبل أن يبتلعها وقتلته حصلت عليها ونلت منافعها ، وغيرها الكثير من الأحجار ذات القوى الروحانية كالعقيق والسليماني وغيره ، والآن لنعود للخيمياء وزبدة موضوعنا وفن التلاعب بالمعادن أو المواد لكن بمحدودية أكثر فكما قلنا على مر التاريخ سعى القدماء لصنع مايسمى بحجر الفلاسفة الذي تكلمنا عنه في البداية ، وقد تراه شيئاً خرافياً أو شيئاً لا يصدق ، لكن لو نظرت بحيادية لوجدت أنك تؤمن بهذا الشيء حق الإيمان ، فلتقل كيف ذلك ؟! فنقول بأننا جميعنا كمسلمين أو كمسيحيين أو كيهود نعلم أن في حضاراتنا الدينية أن قارون الذي جاء ذكره في القران يحول التراب الى ذهب ، والبعض يقول بأنه عرف إسم الله الأعظم فتمكن من ذلك ، ولكن في القران الكريم ذُكر أن الله أتاه علماً ، ومن هنا أُخذ أنه يحول التراب أو أي معدن إلى ذهب ، ولو نظرنا إليها بالمنطق ، سنعلم أن الله لن يُنزل من السماء جبالاً من الذهب ليستقبلها قارون ، أو أن يأتي قارون ثم يدعوا الله فيتحول جبل من تراب إلا جبل من الذهب ، لذلك الله سبحانه وتعالى لم يعطي قارون الذهب جاهزاً ، كما أن الله سبحانه وتعالى لن يعطيك الخبز محمصاً ومحشواً بالجبن والعسل ، بل يجب أن تزرع وتحصد وتطحن وتعجن وتطبخ ، ثم لو نظرنا لهذه الفكرة من بابٍ خيميائي لوجدنا أن أنواع المعادن النفيسة تكونت طبيعياً بعد آلالاف السنين تحت الضغط بفعل اليبوسة والحرارة أو الرطوبة والبرودة ، أو الحرارة والرطوبة أو البرودة واليبوسة ، فماذا لو إستطعت أن تعلم كيف تكونت بالتفصيل وبمعادلات خيميائية إستطعت أن تسرّع من عملية تكوينها ، فهنا كل ماتحتاجه هو الزئبق والكبريت كما أورد أصحاب المعرفة ، أما الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة فسهلٌ عليك تسخيرها ، ولننظر لأقوال الفلاسفة والحكماء السابقين والاخرين بأن أصل كل معدن زيبق وكبريت ، بل تخطوا ذلك وقالوا بأن كل مادة متكونة من العناصر الأربعة ، أو ماتسمى في عالم الفلسفة الأركان الأربعة ، أو الأمهات الأربعة ، أي أنها أم المولودات الثلاثة ، التي كان المعدن أول مولدٍ لها ، والأمهات الأربعة هي النار وهو حار يابس ، والهواء وهو حار رطب ، والتراب وهو بارد يابس والماء وهو بارد رطب ، فلو إستطعنا التلاعب بالعناصر الأربعة لإستطعنا تحويل أي شيء نريده إلى مانريد ، ولو إستطعنا التلاعب بالزيبق الذي بسببه تسمم مئات الخيميائيين عند محاولاتهم ترويض هذا العنصر العجيب لصنع الحجر ، وتلاعبنا بالكبريت وفككنا ترابطها وأعدنا ترتيبها لإستطعنا أن نغير تكوينها من معادن رخيصة إلى معادن نفيسة أو العكس ، ومن هنا أقول وأجزم بأن حجر الفلاسفة موجود ، وقد أتى لذكره الداعي الأجل سيدنا جابر بن حيان أبو الكيمياء قدس الله روحه ، وهو تلميذ مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه وقد أسماه مولانا جعفر [ بجابر قلوب المنكسرين ] حين قال : عن نفسه [ سُميت جابر لإني جبرت العلم وأهله من البيان التام ] ، والقصة أن جابر أراد أن ينسب هذا العلم البديع لأستاذه لكن مولانا جعفر الصادق عليه السلام رفض ذلك ودعى له واثنى عليه ، ولسيدنا جابر مايقارب ثلاثة آلاف مؤلف لكن للآسف الشديد كانت الخيمياء في وقته محض سحر وشعوذة وقد كُفر ولعن وأحرقت كتبه ، من قبل أباطرة الدين الظاهري أعداء العلم والمعرفة ، ولسيدنا جابرصنعة [ الماء الملكي ] ليعيد إسترجاع الذهب الذي إستطاع بذكائه أنه يخفيه في أسلاك من المعدن وهذا الماء الملكي يتميز بأنه يذيب الذهب ، ومازال يستخدم حتى وقتنا الحاضر ، والآن لنعد لحجر الفلاسفة فحجر الفلاسفة أو ما أسماه سيدنا جابر ابن حيان قدس الله روحه

                                                                    [ ” بالحجر الكريم المكرم المثلث الأركان ” ] ، وهو حجر يحوّل المعدن إلى ذهبٍ أو فضة وأشياء أخرى ، وكان هذا العلم الشريف وعلم الخيمياء من دروس مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه ، كما ذكر سيدنا جابر قدس الله روحه عند شرح صناعة هذا الحجر حيث قال وهو يشرح :

                                                                    [ ” كما أمر سيدي صلوات الله عليه “] ومن هنا بتنا نعلم بأن هذه كانت تعاليم مولانا جعفر ابن محمد الصادق صلوات الله عليه ، وعلى كل حال حتى لو قرأنا شرحه فلن نصل لحل رموزه إلا من شاء الله له ورزقه بهذا العلم الشريف ، فقد قال مولانا جعفر صلوات الله عليه لجابر حينما عرض عليه كتابه وأراد أن ينسبه لمولانا جعفر :

                                                                     [ هذا كتابك جنة الخلد ينعم فيها البايس والفقير والمضطر ، وكذلك ذهب عنك كل تعب ونصب بإذن الله تعالى ويعلم الطريق الخالدي للاصباغ وينال القطوف الدانية والأنهار الجارية والأتمار ” ] لذلك أيقنت أنه لن يصل لفك رموزه إلا من إستحقه بفضلٍ من الله سبحانه ، ويقول أيضاً سيدنا جابر عن صناعة هذا الإكسير العجيب : [ أشرت لما في هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا يقربه وقد بينت لك الذي أخفوه الحكماء من الورق ، ودفنوه في رموزهم من الألفاظ واتيتك بمظهر وبينت لك الطرقات جميعها على هذه المباقل لكن الناس لا يفهمون كل منا فظنوا وظلوا والان نعود الى ما كنا من ذكر التدابير القريبة والأحوال العجيبة من أحوال الحجر ] ، فلذلك يستحيل أن يترك هذا الفيلسوف الحكيم فرصةً صغيرة يستغلها أهل الباطل للدخول لهذا لهذه الجنة الكيميائية الشريفة ، ولن يقدر على حل هذه المعادلات إلا ذوي الرتب العالية من أهل الحق والخير ، وأما بشأن قدرة هذا الحجر العجيب لابد أن نأتي بطرف بسيط من شروحات الداعي الأجل لنبين بعضها ، فقد قال فيها :

                                                                    [ ان اسقيته من الماء الأحمر بعد ذلك سبع سقيات واحد منه على ثمانية الاف من الاسرب أو من القمر يعود ذهباً ابريزاً وان القي منه على الزجاج صبغه ياقوتاً أحمر ، وان القي منه في أول سقيه فإنه يصبغ الف ومائتان من الفضة ذهباً ابريزا ] ” وبعد أن فرغنا من تعريف هذا الحجر السحري العجيب ، وبينا قواه الخيالية وإستعرضنا في البداية بعض تجارب البشر في محاولة صنعه ، وطرحنا نبذةً عن صاحبه ومحتضنه وصانعه ، فلابد أن نبين هذا القول لسيدنا جابر قلوب المنكسرين قدس الله روحه فيقول : [ ” وهذا العمل المكتوم اذا فتشت عليه لم تجده في كتب الحكما لا من الأولين ولا من الاخرين فأفهم هذا التفصيل فهو راجع اليكم فوالله الذي فاق السماوات بقدرته والجبال بأمره انك لن تجد أحد من الأولين ولا من الاخرين تكلم بمثل ماتكلمت به فأعرف قيمة ماوصل إليك وكن أهله ومستحق له وهذا عهد الله قلدتك اياه ] ” فلذلك كان الداعي جابر أول من أتى بذكر هذا العلم اللطيف من الأولين والاخرين حيث وثقه لنفسه وشرح غموضه وطريقة صناعته وهي أقرب ماتكون للخيال لكن العلم لا خيال فيه ولا مستحيل ، وفي النهاية أتمنى أني لم أطل الحديث في شيء غير ضروري ولكن بقي أن أبين معنى عنوان هذه المقالة [ كيف يصير البراني جواني ] فالبراني هو ظاهر الشيء أي خارجه ، والجواني هو باطن الشيء أي داخله ، وقد ذكر هذه الجملة سيدنا جابر في نهاية شروحاته حيث قال :

                                                                    [ ” فهذا زعمنا بأن البراني يصير جواني “]

                                                                    أي هذا زعمنا بالقدرة على التلاعب بظاهر المعادن وباطنها ، لذلك لا أحد كجابر في الخيمياء ولن تلد الأرحام من يفوقه في صنعته ، والصلاة والسلام على مدينة العلم محمد ابن عبدالله وعلى بابها علي ابن أبي طالب صلاةً سرمدية ،وعلى آلهما الطيبين الطاهرين وعلى الائمة من نسلهم أجمعين فهم والله أهل العلم ومفيديه والسلام عليكم ورحمة الله . 

                                                                    بنج ..!

                                                                    قول إبن سينا في حي بن يقضان

                                                                    ماغاب عن الكثيرين حتى يومنا الحاضر ، من قصة حي بن يقضان ، تلك القصة التي تعادل ألف كتاب ، التي لاقت إنتشاراً واسعاً وشعبية كبيرة ، فكان خلاصتها في جزء بسيط كان خارج اطار الكتاب نفسه فيقول إبن سينا قدس الله روحه :

                                                                    بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                    وماتوفيقي الا بالله واليه انيب وبعد فإن اصراركم معشر اخواني على اقتصاء شرح قصة حي بن يقضان هزم لجاجي في الامتناع ، وحل عقد عزمي على المماطلة والدفاع فإنقدت لمساعدتكم وبالله التوفيق
                                                                    إنه قد تيسرت لي حين مقامي ببلادي ” برزة “برفقائي إلى بعض المتنزهات المكتنفة لتلك البقعة فبينا نحن نتطاول إذ عنّ لنا شيخ بهي قد أوغل في السن ، وأخنت عليه السنون ، وهو في طراة العز لم يهن منه عظم ، ولا تضعضع له ركن ، وما عليه من المشيب إلا رواء من يشيب ، فنزعت إلى مخاطبته ، وانبعثت من ذات نفسي لمداخلته ومجاراته ، فملت برفقائي إليه فلما دنونا منه ، بدأنا هو بالتحية والسلام ، وافتر عن لهجة مقبولة ، وتنازعنا الحديث حتى أفضى بنا إلى مسائلته عن كنه أحواله ، واستعلامه سنه ، وصناعته ، بل إسمه ، ونسبه ، وبلده ، فقال : أما أسمي ونسبي فحي بن يقضان ، وأما بلدي فمدينة بيت المقدس ، وأما حرفتي فالسياحة في أقطار العوالم ، حتى أحطت بها خبرا ، ووجهي إلى أبى وهو حي ، وقد عطوت منه مفاتيح العلوم كلها ، فهداني الطريق السالكة إلى نواحي العالم ، حتى زويت بسياحتي آفاق الأقاليم ، فما زلنا نطارحه المسائل في العلوم ، ونستفهمه غوامضها ، حتى تخلصنا إلى علم الفراسة ، فرأيت من إصابته فيه ما قضيت له آخر العجب ، وذلك أنه ابتداء لما انتهينا إلى خبرها فقال : ” إن علم الفراسة لمن العلوم التي تنقد عائدتها نقداً فيعلن ما يسره كل من سجيته فيكون تبسطك إليه وتقلصك عنه بحسبه ، وأن الفراسة لتدل منك على عفو من الخلائق ومنتقش من الطين ، وموات من الطبائع وإذا مستك يد الإصلاح أتقنتك ، وإن خرطك العار في سلك الذلة انخرطت وحولك هؤلاء الذين لا يبرحون عنك إنهم لرفقة سوء ، ولن تكاد تسلم عنهم وسيفتنونك أو تكتنفك عصمة وافرة ، واما هذا الذي أمامك فباهت مهذار يلفق الباطل تلفيقاً ، ويختلق الزور اختلاقاً ، ويأتيك بأنباء ما لم تزوده قد درن حقها بالباطل ، وضرب صدقها بالكذب على أنه هو عينك و طليعك ، ومن سبيله أن يأتيك بخبر ما غرب جنابك وعزب من مقامك ، وأنك لمبتلى بانتقاد حق ذلك من باطله ، والتقاط صدقه من زوره ، واستخلاص صوابه من غواشي خطئه ، إذ لا بد لك منه فربما أخذ التوفيق بيدك ، ورفعك عن محيط الضلالة ، وربما أوقفك التحير ، وربما غرك شاهد الزور ، وهذا الذي عن يمينك أهوج ، إذا انزعج هائجه لم يقمعه النصح ، ولم يطأطئه الرفق ، كأنه نار في حطب ، أو سيل في صبب ، أو قرم مغتلم ، أو سبع ثائر ، وهذا الذي عن يسارك فقذر شره ، قرم شيق لا يملأ بطنه إلا التراب ، ولا يسد غرثه إلا الرغام ، لعقة ، لحسة ، طعمة ، حرصة ، كأنه خنزير أجيع ، ثم أرسل في الجلة ولقد ألصقت يا مسكين بهؤلاء إلصاقاً لا يبريك عنهم إلا غربة تأخذك إلى بلاد لم يطأها أمثالهم ، وإذ لات حين تلك الغربة ولا محيص لك عنهم فلتطلهم يدك ، وليغلبهم سلطانك ، وإياك أن تقبضهم زمامك ، أو تسهل لهم قيادك ، بل استظهر عليهم بحسن الإيالة ، وسمهم سوم الاعتدال ، فإنك إن متنت لهم سخرتهم ولم يسخروك ، وركبتهم ولم يركبوك ، ومن توافق حيلك فيهم أن تتسلط بهذا الشكس الزعر على هذا الأرعن النهم ، تزبره زبراً ، فتكسره كسراً ، وأن تستدرج غلواء هذا التائه العسر بخلاية هذا الأرعن الملق فتخفضه خفضاً ، وأما هذا المموه المتحرص ، فلا تحتج إليه و يأتيك موثقاً من الله ، غليظاً ، فهنا لك صدقه تصديقاً ، ولا تحجم عن إصاخة إليه لما ينهيه إليك وإن خلط فإنك لن تعدم من أنبائه ما هو جدير باستثباته وتحققه به . فلما وصف لي هؤلاء الرقة وجدت قبولى مبادراً الى تصديق ما قرفهم به ، فلما استأنفت في امتحانهم طريقة المعتبر صحح المختبر فهم الخبر عنهم ، وأنا في مزاولتهم ومقاساتهم فتارةً لى اليد عليها ، وتارة لها علي، والله تعالى المستعان على حسن مجاورته هذه الرفقة إلى حين . ثم إنى استهديت هذا الشيخ سبيل السياحة استهداء حريص عليها مشوق اليها ، فقال : إنك ومن هو بسبيلك من مثل سياحتط لمصدود ، وسبيله عليك وعليه لسدود ، أو يسعدك التفرد وله موعد مضروب لن تسبقه ، فإقتنع بسياحة مدخولة بإقامة تسيح حيناً ، وتخالط هؤلاء حيناً ، فمتى تجردت للسياحة بكنة نشاطك ، وافقتك وقطعتهم ، وإذا حننت نحوهم انقلبت إليهم وقطعتني حتى يأتى لك أن تتولى براءتك منهم ، فرجع بنا الحديث إلى مساءلته عن إقليم إقليم مما أحاط بعلمه ، ووقف عليه خبره ، فقال لي : إن حدود الأرض ثلاثة ، حد يحده الخافقان وقد أدرك كنهه وترامت به الأخبار الجلية المتواترة ، والغريبة يجل ما يحتوى عليه وحدان غريبان ، حد المغرب ، وحد قبل المشرق ، ولكل واحد منهما صقع قد ضرب بينهما ، وبين عالم البشر حد محجور لن يعدوه إلا الخواص منهم ، المكتسبون منه ، لم يتأت للبشر بالفطرة ، ومما يفيدها الاغتسال في عين خرارة جوار عين الحيوان الراكدة ، إذا هدى إليها السايح فتطهر بها وشرب من فراتها سرت في جوارحه منة مبتدعة يقوى بها على قطع تلك المهام ، ولم يترسب في البحر المحيط ، ولم يكأده جبل قاف ، ولم تدهدهه الزبانية مدهدهة إلى الهاوية فاستزدناه شرح هذه العين فقال : سيكون قد بلغكم حال الظلمات المقيمة بناحية القطب فلا يستطيع عليها الشارق في كل سنة إلى أجل مسمى أنه من خاضها ولم يحجم عنها ، أفضى إلى فضاء غير محدود ، قد شحن نوراً ، فيعرض له أول شيء عين خرارة تمد نهراً على البرزخ من اغتسل منها خف على الماء ، فلم يرجحن إلى الغرق ، وتقمم الشواهق غير منصب حتى تتلخص إلى أحد الحدين المنقطع عنهما ، فاستخبرناه عن الحد الغربي لمعاقبة بلادنا إياه ، فقال : إن بأقصى المغرب بحراً كبيراً حامئاً قد سمي في الكتاب الإلهي عيناً حامئة ، وإن الشمس تغرب من تلقائها ، وممد هذا البحر من إقليم غامر فات التحديد رحبه لا عمار له إلا الغرباء يطرؤون عليه والظلمة معتكفة على أديمه ، وانما ينمحل المهاجرون إليه لمعة نور مهما جنحت الشمس للوجوب وأرضه سبخة كلما أهلت بعمار نبت لهم فابتنى بها آخرون ، يعمرون فينهار ويبنون فينهال . وقد أقام الشجار بين أهله بل القتال فأينما طائفة عزت استولت على عقر ديار الآخرين ، وفرضت عليهم الجلاء تبتغي قراراً ، فلا يستخلص إلا خسارا ، وهذا ديدنهم لا يفترون وقد تطوق هذا الإقليم كل حيوان ، ونبات ، لكنها إذا استقرت به ورعته ، وشربت من مائه ، غشيته غواش غريبة من صورها فترى الإنسان فيها قد جلله مسك بهيمة ونبت عليه أثيث من العشب ، وكذلك حال كل جنس آخر ، فهذا أقليم خراب سبخ مشحون بالفتن ، والهيج ، والخصام ، والهرج ، يستعير البهجة من مكان بعيد . وبين هذا الإقليم وإقليمكم أقاليم أخرى لكن وراء هذا الإقليم مما يلي محط أركان السماء إقليم شبيه به في أمور منها أنه صفصف غير آهل إلا من غرباء واغلين ، ومنها أنه يسترق النور من شعب غريب ، وإن كان أقرب إلى كوة النور من المذكور قبله ، ومن ذلك أنه مرس قواعد السماويات ، كما أن الذي قبله مرس قواعد هذه الأرض ومستقر لها ، لكن العمارة في هذا الإقليم مستقرة لا مغاصبة بين واردها للمحاط ، ولكل أمة صقع محدود لا يظهر عليهم غيرهم غلابا ، فأقرب معامره منا بقعة سكانها أمة صغار الجثث ، حثاث الحركات ، ومدنها ثمان مدن ، ويتلوها مملكة أهلها أصغر جثثا من هؤلاء ، وأثقل حركات ، يلهجون بالكتابة ، والنجوم ، والنيرنجات والطلسمات ، والصنائع الدقيقة ، والأعمال العميقة ، مدنها تسع ، ويتلوها وراءها مملكة أهلها متمتعون بالصباحة ، مولعون بالقصف والطرب ، مبرأون من الغموم ، لطاف لتعاطي المزاهر ، مستكثرون من ألوانها ، تقوم عليها امرأة قد طبعوا على الإحسان والخير ، فإذا ذكر الشر اشمأزوا عنه ومدنها ثمانى مدن . ويتلوها مملكة قد زيد لسكانها بسطة في الجسم ، وروعة في الحسن ، ومن خصالهم أن مفارقتهم من بعيد عزيزة الجدوى ، ومقاربتهم مؤذية ومدنها خمس مدن . ويتلوها مملكة تأوى إليها أمة يفسدون في الأرض حبب إليهم الفتك ، والسفك ، والاغتيال ، والمثل مع طرب ولهو ، يملكهم أشقر مغري بالنكب ، والقتل ، والضرب ، وقد فتن كما يزعم رواة أخبارها بالملكة الحسنى المذكور أمرها قد شغفته حباً ، ومدنها سبع مدن . ويتلوها مملكة عظيمة أهلها غالون في الصفة ، والعدالة ، والحكمة ، والتقوى ، وتجهيز جهاز الخير إلى كل قطر ، واعتقاد الشفقة على كل من دنا وبعد ، وبذل المعروف إلى من علم وجهل ، وقد جسم حظهم من الجمال والبهاء ، ومدنها سبع مدن . ويتلوها مملكة كبيرة يسكنها أمة غامضة الفكر ، مولعة بالشر ، فإن جنحت للإصلاح أتت نهاية التأكيد ، وإذا وقعت بطائفة لم تطرقها طروق متهور ، بل توختها بسيرة الداهي المنكر ، لا تعجل فيما تعمل ، ولا تعتمد غير الأناة فيما تأتي وتذر ومدنها سبع مدن . ويتلوها مملكة كبيرة كبيرة منتزحة الأقطار ، كثيرة العمار ، بقعة لا يتمدنون إنما قرارهم قاع صفصف مفصول باثني عشر حداً فيها ثمانية وعشرون محطاً لا تعرج طبقة منهم إلى محط طبقة إلا إذا خلا من أمامهم عن دورهم فسارعته إلى خلافها ، وإن امم الممالك التى قبلها لتسافر ، إليها وتتردد فيها ، ويليها مملكة لم يدرك أفقها إلى هذا الزمان لا مدن فيها ، ولا كور ، ولا يأوى إليها من يدركه البصر ، وعمارها الروحانيون من الملائكة ، لا ينزلها البشر ، ومنها ينزل على من يليها الأمر والقدر ، وليس وراءها من الأرض معمور ، فهذان الإقليمان بهما يتصل الأرضون والسماوات ، ذات اليسار من العالم ، التي هي المغرب ، فإذا توجهت منها تلقاء المشرق رفع لك أقليم لا يعمره بشر ، بل ولا نجم ، ولا شجر ، ولا حجر ، إنما هو بر رحب ، ويم غمر ، ورياح محبوسة ، ونار مشبوبة ، وتجوزه إلى أقليم تلقاءك فيه جبال راسية ، وأنهار ، ورياح مرسلة ، وغيوم هاطلة ، وتجد فيها العقبان ، واللجين ، والجواهر الثمنية ، والوضيعة أجناسها ، وأنواعها ، إلا أنه لا نابت فيه ويؤديك عبوره إلى إقليم مشحون بما خلا ذكره إلى ما فيه ، من أصناف النبات ، نجمة ، وشجرة مثمرة ، وغير مثمرة ، محبة ومبررزة ، لا تجد فيه من يضيء ويضفز من الحيوان ، وتتعداه إلى إقليم يجتمع لك ما سلف ذكره إلى أنواع الحيوانات العجم ، سابحها ، وزاحفها ، ودارجها ، ومدومها ومتولداتها ، إلا أنه لا أنيس فيه ، وتخلص عنه إلى عالمكم هذا . وقد دللتم على ما يشتمله عياناً وسماعاً ، فإذا قطعت سمت المشرق ، وجدت الشمس تطلع بين قرني الشيطان ، فإن للشيطان قرنين ، قرن يطير ، وقرن يسير ، والأمة السيارة منها قبيلتان ، قبيلة فى خلق السباع ، وقبيلة فى خلق البهائم ، وبينهما شجار قائم ، وهما جميعاً ذات اليسار من المشرق ، وأما الشياطين التى تطير فإن نواحيها ذات اليمين من المشرق ، لا تنحصر في جنس من الخلق ، بل يكاد يختص كل شخص منها بصيغة نادرة ، فمنها خلق لمس في خلقين ، أو ثلاثة ، أو أربعة ، كإنسان يطير ، وأفعوان له رأس خنزير ، ومنها خلق هو خداج من خلق مثل شخص وهو نصف إنسان ، وشخص هو فرد رجل إنسان ، وشخص هو كف إنسان ، أو غير ذلك من الحيوان ، ولا يبعد أن يكون التماثيل المختلطه التى يرقمها المصورون منقولة من ذلك الإقليم ، والذي يغلب على أمر هذا الأقليم قد رتب سككاً خمساً للبريد ، جعلها أيضا مسالح لمملكته ، فهناك يختطف من يستهوي من سكان هذا العالم ، ويستثبت الأخبار المنتهية منه ويسلم من يستهوي إلى قيم على الخمسة مرصد بباب الإقليم ، ومعهم الأنباء في كتاب مطوي مختوم ، لا يطلع عليه القيم ، إنما له وعليه أن يوصل جميعه إلى خازن يعرضه على الملك ، وأما الأسرى فيتكلفهم هذا الخازن ، وأما آلاتها فيستحفظها خازناً آخر ، وكلما استأسروا من عالمكم أصنافاً من الناس ، والحيوان ، وغيره ، تناسلوا على صورهم مزاجاً منهما ، وإخراجاً إياها . ومن هذين القرنين من يسافر إلى أقليمكم هذا فيغشى الناس في الأنفاس حتى تخلص إلى السويداء من القلوب ، فأما القرن الذي في صورة السباع من القرنين السيارين فإنه يتربص بالإنسان طروا أذى معتباً عليه فيسفره ويزين له سوء العمل ، من القتل والمثل ، والإيحاش ، والإيذاء فيربى الجور في النفس ، ويبعث على الظلم والغشم ، وأما القرن الآخر منهما فلا زال يناجى بال الإنسان بتحسين الفحشاء من الفعل ، والمنكر من العمل ، والفجور إليه ، وتشويقه إليه ، وتحريضه عليه، قد ركب ظهر اللجاج ، واعتمد على الإلحاح حتى يجره إليه جراً، وأما القرن الطيار فإنما يسول له التكذيب بما لا يرى ويصور لديه حسن العبادة للمطبوع والمصنوع ، ويساود سر الإنسان أن لا نشأة أخرى ، ولا عاقبة للسوي والحسنى ، ولا قيوم على الملكوت ، وإن من القرنين لطوائف تصاقب حدود إقليم وراء إقليمكم تعمره الملائكة الأرضية ، تهدي بهدي الملائكة ، قد نزعت عن غواية المردة ، وتقيدت سير الطيبين من الروحانيين ، فأولئك إذا خالطوا الناس لم يعبثوا بهم ولا يضلوهم ، ويحسن مظاهرتهم على تطهيرهم ، وهى جن وحن ، ومن حصل وراء هذا الإقليم وغل في أقاليم الملائكة ، فالمتصل منها بالأرض إقليم سكنته الملائكة الأرضيون ، وإذا هم طبقتان : طبقة ذات الميمنة ، وهى علامة أمارة ، وطبقة تحاذيها ذات الميسرة ، وهى مؤتمرة عمالة ، والطبقتان تهبطان إلى أقاليم الجن والإنس هويا ، وتمنعان في السماء رقياً ، ويقال إن الحفظة الكرام ، والكاتبين منهما ، وإن القاعد مرصد اليمين من الأمارة وإليه الإملاء ، والقاعد مرصد اليسار من العمالة وإليه الكتاب ، ومن وجد له إلى عبور هذا الإقليم سبيل خلص إلى ما وراء السماء خلوصاً ، فلمح ذرية الخلق الأقدم ولهم ملك واحد مطاع ، فأول حدوده معمور بخدم لملكهم الأعظم ، عاكفين على العمل المقرب إليه زلفى ، وهم أمة بررة لا تجيب داعية نهم ، أو قرم ، أو غلمة ، أو ظلم ، أو حسد ، أو كسل ، قد وكلوا بعمارة ربض هذه المملكة ، ووقفوا عليه وهم حاضرة متمدنون يأوون إلى قصور ومشيدة ، وأبنية سرية تنوف في عجن طينتها حتى انعجن ما لا يشاكل طينة إقليمكم ، وإنه لأجلد من الزجاج ، والياقوت ، سائر مايستبطأ أمد بلائه ، وقد أملى لهم في أعمارهم ، وأنسىء في آجالهم فلا يحرمون دون أبعد الآماد ، ووتيرتهم عمارة الريض طائعين ، وبعد هؤلاء أمة أشد أختلاطاً بملكهم ، مصرون على خدمة المجلس بالمثول ، وقد صئنوا فلم يتبدلوا بالاعتمال ، واستخلصوا للقربى ، ومكنوا من رموق المجلس الأعلى ، والحفوف حوله ، ومتعوا بالنظر إلى وجه الملك وصالا لا فعال فيه ، وحلو تحلية اللطف في الشمائل ، والحسن ، والثقافة في الأذهان ، والنهاية في الإشارات ، والرواء الباهر ، والحسن الرائع ، والهيئة البالغة ، وضرب لكل واحد منهم حد محدود ، ومقام معلوم ، ودرجة مفروضة ، لا ينازع فيها ولا يشارك ، فكل من عداه يرتفع عنه ، أو يسمج نفساً بالقصور دونه ، وأدناهم منزلة من الملك واحد هو أبوهم وهم أولاده وحفدته ، وعنه يصدر إليهم خطاب الملك ومرسومه ، ومن غرائب أحوالهم أن طبائعهم لا تستعجل بهم إلى الشيب والهرم ، وأن الوالد منهم ، وإن كان أقدم مدة فهو أسبغ منه ، وأشد بهجة ، وكلهم مسخرون وقد كفوا الاكتفاء ، والملك أبعدهم في ذلك مذهباً ، ومن عزاه إلى عرق فقد زل ، ومن ضمن الوفاء بمدحه فقد هذى ، قد فات قدر الوصاف عن وصفه ، وحادت عن سبيله الأمثال ، فلا يستطيع ضاربها إلا بتباين أعضاء ، بل كله لحسنه وجه ، ولجوده يد ، يعفى حسنه آثار كل حسن ، ويحقر كرمه نفاسة كل كرم ، ومتى هم بتأوله أحد من الحافين حول بساطه غض الدهش طرفه فآب حسيراً يكاد بصره يختطف قبل النظر اليه ، وكان حسنه حجاب ، وكان ظهوره سبب بطونه ، وكان تجليه سبب خفائه ، كالشمس لو انتقبت يسيراً ، لاستغلت كثيراً ، فلما أمعنت في التجلى احتجبت وكان نورها حجاب نورها ، وإن هذا الملك لمطلع على ذويه بهاءه لا يضن عليهم بلقائه ، وإنما يؤتون من دنو قواهم دون ملاحظته ، وإنه لسمح فياض ، واسع البر ، غمر النائل ، رحب الفناء ، عام العطاء ، من شاهد أثراً من جماله وقف عليه لحظة ، ولا يلفته عنه غمزة ، ولربما هاجر إليه أفراد من الناس فيتلقاهم من فواضله ما ينوبهم ويشعرهم احتقار متاع إقليمكم هذا ، فإذا انقلبوا من عنده انقلبوا وهم مكرهون .

                                                                    قال الشيخ حي بن يقضان لولا تغربي إليه بمخاطبتك منبهاً إياك لكان لي به شاغل عنك ، وإن شئت اتبعتني إليه والسلام .

                                                                    بنج

                                                                    عندما أقول أنا إسماعيلي

                                                                    إبني وإبنتي لا تخجلوا وأنظروا بعينٍ واثقةٌ ورامقة ،فلا تخفوا مذهبكم خجلاً من الإستهزاء والسخرية ، وإن كان فأخفوها خوفاً من قِتلٍ بوحشية ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا من سنة نبي الله محمد ،  ومن شيعة أمير المؤمنين عليٌ عليهم وعلى آلهم الصلاة والسلام، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا محبٌ لأهل بيت النبوةوموالي لخلفاء الله في أرضه ، من نسل الحسين عليهم السلام، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا ممن زُندق وكُفّر وبُغض ، لإن لدي عقلاً وفكراً ولدي فلسفة ، ولإني نزهت الله من التجسيد ، ونزهت الأنبياء من قول كل عنيد ، فعندما أقول أنا إسماعيلي ، فأنا ممن ينتمي لما ينتمي إليه فطاحلة الفكر ، وفحول الفلسفة ،الذين خُلدت أسماؤهم وخُلدت كتبهم ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا ممن أدخَلوا الفلسفة للعرب ،وممن ترجم كُتب فلاسفة اليونان ، وقدمها لعربٍ لا يؤمنون بعلمٍ ولا فلسفة ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا فاطميٌ أثرى العالم علماً ، وعاش مسالماً لجميع المذاهب الأديان ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا من إخوان الصفاء وخلان الوفاء الذين آثاروا ضجيج العالم بمذهبهم الكامل ، وقدموا أول موسوعة علمية في العالم فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا الفارابيُ الذي أشبع العالم حكمةً وفلسفة ، أنا الذي لُقب بالمعلم الثاني نسبةً إلى المعلم الأول أرسطو العظيم ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا ابنُ سينا ، الشيخ الرئيس أمير الأطباء الذي قُدست كتبه ، والذي أفحم العالم بعلمه وفلسفته والذي لقب بأرسطو الإسلام ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا المؤيد في الدين قدس الله روحه الذي قال فيه الفيلسوف المعري : لو ناظر أرستطاليس لجاز أن يفحمه ، أو أفلاطون لنبذ حججه خلفه . فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا النعمان ، وأنا أبو حاتم الرازي ، وأنا حجة العراقين،  وأنا جعفر بن منصور ، وأنا أبو يعقوب السجستاني قُدست أرواحهم فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا من هو في الخفاء يؤلف ويسطر فكراً وعلماً وفلسفة ، لجيلٍ قادم وبقوة ، أنا العظماء الذين وجب عليهم الستر ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا من لو إنفرد وأُعتق من قيوده ، لرأيت مايسر العقول ويصيبها بالذهول ، لرأيت نهجاً تعليمياً وفلسفياً لا مثيل له قط ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا ممن يقول رغم العداء والكره ،  ديني لي ودينكم لكم فلنعش بسلام ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا شعاري قول إخوان الصفاء : فالناجي في الآخرة من كان جامع لفضائل الأمم والأديان كلها ” فلا ننكر حق دينٍ من الأديان ، فعندما أقول أنا إسماعيلي فأنا جداً فخور لإني العقل ، وأمي الدين، وأبي هو البرهان ، أفما يكفيكم أنكم على مر العصور ، تحملون فكراً حيّر العالِم وألهم الفاهم ، أما آن الآوان لتقول بكل فخرٍ وعزة أنا إسماعيلي ؟ فأنا عندما أقول أنا إسماعيلي لن توفيني الحروف والأقلام ، فتفاخرت بالقليل ومازال الكثير ، وليس حباً للفخر بل درءاً لهذا الخجل فتمسّك 

                                                                    بنج

                                                                    الموسيقى وسحرها

                                                                    بسم الله الرحمن الرحيم ، بدايةً لا يخفى علينا آثر الموسيقى في نفوسنا ، إما سلباً أو إيجاباً ، فتحولنا من حالٍ إلى حال إما من حزن إلى سعادة أو العكس ، فلو تفكرنا قليلاً وتسائلنا لماذا ؟ لإن لماذا سيكون أول سؤال يخطر على البال ، ومن بعد لماذا سيأتي الف سؤال وسؤال ، تزاحم بعضها البعض ، ماهي الموسيقى ؟ ، من أين بدأت ؟ والعديد من الاسئلة التي نمتنع عن تتبعها لنختصر بقدر الإمكان ، فمن هذا الباب ، أحببت توضيح عدة أشياء في هذه المقالة التي أكتبها ، مستمعاً لصوت صرير الرياح ، وحفيف الشجر ، وهدير الماء فوق الحجر ، ولصوت طيرٍ يغني بجهر ، لتخلق لي الطبيعة عزفاً يبعثني في عمق الآفاق ، وبجانبي طفل صغير يناغي نفسه ، بحديث غير مفهوم السياق . فنقول ماهي الموسيقى أولاً ،؟ فيجيبنا حكماء الزمان وفلاسفته : لما كانت العلوم الفلسفية أربعة أنواع ، أولها الرياضيات ، وثانيها المنطقيات ، وثالثها الطبيعيات ، ورابعها الإلهيات ، فالرياضيات أربعة أنواع : أولها الأرثماطيقي وهو معرفة خواص العدد ومايطابقها من معاني الموجودات ، وثانيها الجومطريا وهو علم الهندسة ، وثالثها الأسطرنوميا وهو علم النجوم ، ورابعها الموسيقى وهو معرفة تأليف الأصوات وبه استخراج أصول الألحان ، ومن هنا نقف على رأس موضوعنا وهو الموسيقى، نقول : إذا الموسيقى هي رابع العلوم الرياضية ويجب علينا البحث أكثر في ماهيتها وبدايتها وتأثيرها على النفوس الروحانية ، فيقول الحكماء إعلم ان كل الصناعات التي تعمل باليدين فإنها مادة ، إلا الصناعة الموسيقية فإنها كلها جواهر روحانية وهي نفوس المستمعين ، وتأثيراتها فيها كلها روحانية ، ولها كتأثيرات صناعات الصناع ، فمن تلك النغمات والأصوات مايحرك النفس نحو الأعمال الشاقة ، والصنائع المتعبة وينشطها ويقوي عزمها . لذلك علمنا بأن الموسيقى روحانية الجوهر وهي أقرب الأشياء للنفس فهي تشاكلها في الجوهر ، وإنبحثنا عن أنواع الموسيقى لوجدناها نوعين إما طبيعي أو صناعي ، فالطبيعي كصوت الطبيعة الخلابة جنان الأرض والنوع الأخر فصناعي ، فدعونا نبحث عن الصناعي وبدايته فنذكركم بإن الفلسفة ” هي التشبة بالإله حسب الطاقة البشرية ” فقامت الحكماء بمحاولاتها للتشبة بالإله حسب طاقتهم البشرية وذخر حكمتهم لهذه الغاية ، لخدمة البشر في سبيل التقرب لله ، فلما نظر الحكماء فوجدوا أنه ينبغي أن تتخذ موسيقاهم شكلاً يماثل الأمور الأربعة مثل العناصر الأربعة النار الهواء الماء والأرض ، فصنعوا وتر الزير مماثلاً لوتر النار ، ونغمته مناسبة لحرارتها وحدتها ، ووتر المثنى مماثل لركن الهواء ، ونغمته مناسبة لرطوبة الهواء ولينه ، ووتر المثلث ممثال لركن الماء ، ونغمته مناسبة لرطوبة الماء وبرودته ،والبم مماثل لركن الأرض ، ونغمته مماثلة لثقل الأرض وغلظها ، فكما نعلم أن العناصر الأربعة هي الأم لما في هذا الكون فلها على أجسادنا ونفوسنا تأثيرات ، فكان الهدف من صناعتهم هو التأثير على أجسادنا ونفوسنا بمثل تأثير هذه العناصر الأربعة ، فالزير يقوي خلط الصفراء وتزيده وتضاد خلط البلغم وتلطفه ، ونغمة المثنى تقوى خلط الدم وتزيد قوته وتأثيره ، وتضاد خلط السوداء وترقه وتلسنه ، ونغمة المثلث تقوي خلط البلغم ، وتزيد تأثيره وتضاد خلط الصفراء ، ونغمة البم تقوي خلط السوداء وتزيد قوته وتأثيره وتضاد خلط الدم ، وتسكن فورانه ، فإذا ألفنا هذه النغمات المشاكلة للعناصر وجعلنها متوازنة كان علاجاً لأجسادنا ونقاءً وصفاء لأنفسنا ، وبعد أن ذكرنا هذا الشيء في سبيل معرفة أن للموسيقى تأثيراًجسمانياً وروحانياً ، يجب أن نذكر أن الموسيقى منها نافع ومنها ضار ، فالضار يعوق السامع وهي الأصوات الخارجة عن الإعتدال وقد استعمل الحكماء اليونانيون هذه الحيلة فصنعوا آلة يستعملونها عند ملاقاة الأعداء ، لها نغمات غير معتدلة وتسبب فقدان التركيز والتشتت والغضب ، ليظفروا بهم أثناء تخبطهم وعدم تركيزهم . وبعد أن بينا القليل من تأثيرات هذه الصناعة ننتقل للبحث عن بداية علم الموسيقى في عالم البشر ، ومن أول الحكماء بحثاً فيها وتبحراً في علمها ، فيقال : أن الحكيم فيثاغورس بصفاء نفسه وذكاءه سمع حركات الأفلاك والكواكب ، فكان أول من إستخرج أصول الموسيقى والنغمات ، وهو أول من تكلم بهذا العلم العميق وقد شبهها بأصوات العيدان ، وبعده نيقوماخس ، ثم بطليموس وأقليدس وقد كانوا يستخدمونها ليذكروا أرواح الناس بعالمها الروحاني ومحلها النوراني ، في سعة الأفلاك عالم الملكوت الأعلى ، ويحكى أن الحكيم فيثاغورس قد رأى في المنام لثلاثة أيام متتالية ، أن شخصاً يقول له قم إذهب إلى ساحل البحر الفلاني ، وحصّل هناك علماً غريباً ، فذهب من غد في كل ليلة من الليالي الثلاث ، فلم ير أحداً فيه ، وعلم أنها ليست رؤيا مما يؤخذ بها جدا فإنعكس ، وكان هناك جمع من الحدادين يضربون المطارق على تناسب فتأمل ثم رجع وقصد أنواع مناسبات بين الأصوات ولما حصل له ماقصده بعد تفكّر كثير وفيض إلهامي ، صنع آلة وشد عليها إبرسيماً وأنشد شعراً في التوحيد وترغيب الخلق في أمور الأخرة ، فأعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا ، وصارت تلك الألة معززة بين الحكماء ، فهذا ما كان من بداية علم الموسيقى أما بالنسبة لعالمنا العربي ، فيجب أن نذكر العالم الفيلسوف أبو نصر الفارابي ، فقد أبدع وتبحر في علم الموسيقى ، حتى أنه ألف الكتب ومن أشهر كتبه، كتاب الموسيقى الكبير ، الذي كان أول كتاب موسيقي باللغة العربية . ولأجل أن نبين تبحر هذا الفيلسوف العظيم وحذاقته في هذع الصنعة ، يجب أن نذكر طرفاً من معجزاته الموسيقية ، فيحكى أن رجلاً أن جماعة كانت من أهل هذه الصناعة مجتمعة في دعوة رجل رئيس كبير ، فرتب مراتبهم في مجلسه ، بحسب حذاقتهم في صناعتهم ، اذا دخل عليهم رجل رث الحال عليه ثياب رثه ، فرفعه صاحب المجلس عليهم كلهم ، وتبين إنكار ذلك في وجوههم كأنهم معارضين هذه الفعله من صاحب المجلس ، فأراد أن يبين لهم فضله ، ويسكن عنهم غضبهم ، فيسأله ان يسمعهم شيئاً من صناعته ، فأخرج الرجل خشبات كانت معه فركبها ومد عليها اوتاره وحركها تحريكاً ، فأضحك كل من في المجلس من اللذة والفرح والسرور ، الذي داخل نفوسهم ، ثم قلبها وحركها تحريكاً آخر ، فأبكاهم كلهم من رقة النغمة وحزن القلوب ، ثم قلبها وحركها تحريكاً فنومهم كلهم ، وقام وخرج فلم يعرف له خبر . نعم هذا الرجل كان الحكيم أبو نصر الفارابي ، وكان صاحب المجلس هو الحاكم سيف الدولة الحمداني ، وكان الضيوف مابين فلاسفة وحكماء ، ورؤساء وحاشية وحراس فقد استطاع الفارابي بنقراته السحرية ونغماته البديعة ، اضحاكهم وإبكائهم وتنويمهم ، فالموسيقى لها اسرار لم تكتشف حتى الآن وبعد أن إنتهينا من بيان جوهرها وبدايتها وحكمائها ، يجب علينا أن نحتذي حذو فلاسفة اليونان حينما كانوا يشوّقون الناس في الهياكل لعالم الملكوت ، دار الخلود والقدس ، فنقول إعلم أن للكواكب والأفلاك ألحاناً شذية وأصواتاً عذبةً نقية ، متوازنة الأصوات لإستدارتها وثبات حركتها ، ودوام سيرها ، يخالطه لحن تسبيح الملائكة تقديساً وتهليلاً للباري سبحانه وتعالى ، فيكون أطيب من قراءة داؤود للزبور في المحراب ، فتفرح النفس وتسعد في عالم الملكوت الأعلى ، فإنجوا بنفسك من كدر المادة وتذكر عالمك الروحاني تشتاقه نفسك لتسعد وتفرح وتلذذ بهذه الموسيقى الروحانية ، حينما تكون عائماً سابحاً مسبحاً ، في سعة الأفلاك والكواكب تنظر لمن تحتك بعين الرحمة والرأفة ، وتنتظرهم ليصعدوا ليتحدوا معك فتزيد لذتكم بلقاء بعضكم البعض ، فرزقنا الله وإياكم سماع هذه الآلحان الذيذة ، والتسابيح العذبة الخالصة الشذية ،وفي الختام أحب أن أرفق بعضاً مما كتبت في الموسيقى، وبعضاً من حروف الفلاسفة والحكماء ، وأهل الصناعات الموسيقية ، فنبدأ بمن أتى بهذه الصنعة لعالمنا البشري صاحب الحكمة فيثاغورس حنيما سما بصفاء نفسه وذكاءه فيقول : إني لأسمع نغماتٍ شهية ، وألحان بهية ، من الحركات الفلكية وتمكنت تلك النغمات في خيالي وضميري ويقول المعلم الأول ارسطاطاليس : الموسيقى أسمى من أن تكون أداة للهو والسرور والتسلية ، ويقول أباه الروحي ومعلمه واستاذه الحكيم أفلاطون : من حزن فليستمع للاصوات الطيبة ، فإن النفس إذا حزنت خمد منها نورها ، فإذا سمعت مايطربها إشتعل منها ماخمد ويقول الشيخ الرئيس إبن سينا : خير تمارين العافية الغناء ويأتي ابن عبد ربه ليقول : زعم أهل الطب أن الصوت الحسن يسري في الجسم ويجري في العروق فيصفو الدم ويرتاح له القلب وتهش له النفس وتهتز الجوارح وتخف الحركات ، ويقول ماريني الموسيقى هي صورة حياتنا الباطنية وإذا كان الكلام لغة العقل فالموسيقى لغة الشعور والوجدان وفي نهاية، ويأتي بتهوفن ليقول : الموسيقى هي الجمال المسموع والحلقة التي تربط الروح بالحس . ويأتي مجهولٌ ليقول إن الموسيقى نشيد ملائكة السماء ،

                                                                    ومن باب محبتي وعشقي للموسيقى وتقديري لها أردف أقوالهم بما يشعرني أنني قدرتها حق قدرها ، فسبق وأن قلت : الموسيقى مهما حاولت إنكارها ، يبقى هناك شيء يستهويها ويتلذذ بها ويرغبها ، نعم إنها روحك المغربة ، فقد أتت من مكان يعج بالموسيقى الخيالية ، الموسيقى كفيلة بأن تجعلك كائناً آخر ، عندما تحزن فلا مانع من شرب القليل من نبيذ الموسيقى الفاخر ، لتسكر روحك فرحاً وتُراقص الكون ، وفي الموسيقى حياة ، لا يفهمها ذوي الأجساد ، موسيقارٌ يخلوا بنفسه فيعزفُ لها لحن الملائكة لترقصَ روحٌ قُرنت بظلامها ، وحدها الموسيقى تبهجك رغماً عنك والآن أترككم مع صاحبة العزف الرائع والصوت الفخم لورينا ماكينيت 

                                                                    بنج

                                                                    فلو تفكرنا لنَجَونا وأنجَينا ونُجِيّنا

                                                                    ‏اللهم نوّر قلبي بنور الإيمان يارحمان
                                                                    وأرزقني جسماً روحانياً وقلباً سماوياً
                                                                    ونفساً طاهرة ، وعيناً إليك بنورك ناظرة

                                                                    قال سبحانه وتعالى : ” الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا
                                                                    وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَاخَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ”

                                                                    فلو نظرنا بتمعن إلى تلك السماوات ، وإلى تلك الأجرام السماوية بديعة الصورة والبهاء ، وتفكرنا فيها لوجدناها كائنةً في ثلاثة أضرب ، فالضرب الأول : فهي تقوم بتدبير ماتحتها من عالمنا الأرضي ، بمشيئة الله وماتعطيه إياه من تسخين وتبريد ، وإضاءة وتلطيف وتكثيف وبث الحياة في كثير من الخلق ، كنور الشمس لنرى ، ودفئها لنحيا وتحيا المخلوقات ، وكبعض سائر العنايات الخفية التي تقوم بها باقي الأجرام السماوية للأرض ومن عليها من الكائنات الحية مختلفة الأوصاف والهيئات ، أما الضرب الثاني : كونها شفافة وناصعة وطاهرة منزهه عن الكدر وضروب الرجس ومتحركة بالإستدارة بعضها على مركزها وبعضها على مركز غيرها . أما الضرب الثالث : كونها تشاهد الموجود واجب الوجود ، مشاهدةً دائمة وتعرض عنه ، وتتشوق إليه وتدور عشقاً له ، وتسبحه بآلحانٍ بديعة الجمال وتتصرف بحكمة ، وتتسخر في إرادته جل جلاله ولا تتحرك إلا بمشيئته وفي قبضته دائمة الرحمةِ والرأفة . فلوا تفكرنا في هذه الضروب الثلاثة لتعلمنا منها وتشبهنا بها بحسب طاقتنا البشرية فنقول ، إن تشبهنا بالضرب الأول : الذي كان تدبيرها لعالمنا الأرضي ، فنكون في همةٍ للخير ومساعدة بعضنا البعض .، فنخدم بعضنا البعض ، فالغني يساعد الفقير والتام الخلقة يساعد ذوي الإحتياج ، وكنا كما قال رسول الله ” مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ” ، وما أن نرى عائقاً في طريق إنسان أو حيوان أو نبات أو أرض قاحلة ، إلا وأزلناه لتستمر حياته ، مثلاً إن جاع حيوان أطعمناه واذا حُجب نور الشمس عن نبات أزلناه ، وإن رأينا أرض قاحلة لا يصلها الماء فتحنا لها مجرى وسبيل ، وإلى آخره من اعمال الخير اللي فيها حياة لجميع المخلوقات ، وقد كان أبا ذر عليه السلام من شدة إيمانه إذا لقي في طريقه ذراً ( النمل الصغير ) حمله ورفعه عن الطريق، تورعاً وخوفاً من أن تدوسها أقدامه أو أقدام غيره ، ولك في ذلك يا أخي الإنسان عبرة وإن فعلنا ذلك بتأيدٍ من الله فنكون حينها كما تلك الأجرام الشعشعانية ، المسخرة رحمةً لنا ولغيرنا . أما الضرب الثاني : كونها جميلة ، طاهرة ، شفافة ومنيرة ، فنقول بإذن الله تعالى فإن تشبهنا بهذه الصفة بحسب طاقتنا البشرية ، وإهتممنا بنظافتنا وطُهر أنفسنا من درن الذنوب ، وطُهر أجسادنا من الرجس والنجاسات ، وقد قال تعالى ” ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ” ثم تطيبنا بأجمل الروائح والأطياب ، ولبسنا تلك الملابس النظيفة ، الزاهية ناصعة البياض ثم نظرنا لمكان عيشنا فأزلنا عنه كل ما يشوبه وبدأنا بنتظيفه وترتيبه وتزيينه بأنواع الأحجار الكريمة ، والأشجار الخضراء فنعيش طاهرين في مكانٍ طاهر ، يكسونا الجمال ويكسوا أرضاً نسكنها ، فإن الله جميل يحب الجمال ، فإن فعلنا ذلك بمشيئة الله وتأييده ، كنا كما تلك الكواكب المنيرة الطاهرة . وأما الضرب الثالث : فكونها تشاهد الموجود واجب الوجود مشاهدةً دائمة ، وتدور عشقاً وشوقاً له ، وتتسخر في إرادته فنقول : تشبهنا بها يكون ، في التفكر في مخلوقاته ، وتسبيحه والتآمل ببديع صنعه ، والتشوق إليه ، والسعى للقرب منه ، وتسخير أجسادنا وأرواحنا ، لعبادته عشقاً لا خوفاً ورهبة ، فكما قال الشيخ الرئيس إبن سينا قدس الله روحه : ” وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة “، فنتحرك شوقاً إليه وعشقاً بصلاتنا ، وقال : ” وأمثل السكنات الصيام ” فتارةً نتحرك عشقاً وهياماً ونشاط ، وتارةً نسكن خشوعاً وجوعاً وتأملا ، ثم نتمم باقي تلك الشرائع المحمدية التي كانت لنا سبيلٌ لنجاتنا ، بكل محبةٍ ولهفةً لثنائه علينا ، والدنو من موضعه الشريف الكريم بضع خطوات ، وإمتثالاً لعروتنا الوثقى من ولده صلوات الله عليهم آجمعين ، وبدون تملل أو تعب ، فنكون قد جعلناه سبحانه وتعالى في قلوبنا لا يغيب عنها طرفة عين ، وكانت أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم الجميل وكنا كما تلك الكواكب الدرية ، فهذا ماكان من التشبة بتلك الأجرام السماوية الشفافة ، المنيرة الدائمة العشق والدوران ، المسخرة لتدبير هذا العالم السفلي ، الذي هو عالم الكون والفساد ، فإن قمنا بذلك عشنا في سلام وكان منا وإلينا السلام ، فنحضى بالحياة السرمدية ، في سعادةٍ محضه ندور عشقاً للموجود واجب الوجود ، ونرقص فرحاً على عزف موسيقارٍ حكيم فلا تخطر لذة أنغامة على قلب بشر ، ونتمايل فرحاً على صوت تسبيح الملائكة في عالم الملكوت الأعلى عالم القدس والروح والريحان ، فكما قال جلال الدين الرومي : “حباً بك أسير والرأس مرفوع ، رغبة فيك أمشي دون توقف، يقولون لي تدور حوله جهلة ! أدور على نفسي ” فإن تشبهنا بهذه الضروب الثلاثة كنا ملائكة أرضيين أعني ملائكةً بالقوة فلا يفصلنا عن عالم الملائكة السماويين إلا المنية والموت لنحيى من بعده ملائكة بالفعل ، وهذا ماتمنيت قوله علّني بنقل هذه الفكرة أساعد أحداً من إخواني وبنوا جلدتي ممن يسعون للكمال والحكمة ، والأخلاق الفاضلة والمنجية ،
                                                                    والصلاة والسلام على محمد واله الأطهار صلاة سرمدية ، وسلامٌ بعدد كلمات الله التي لو أن مافي الأرض من شجرة أقلام ، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر مانفدت إن الله عزيز حكيم ، فسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .

                                                                    أقحموك عنوةً يانجران

                                                                    بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                    نجران أقحموك عنوةْ ، وسُلبت كلمتُك وأصبحت واجهةً
                                                                    لرد الدين ، نجران صحَوتُ من غفلتي لما رأيت ماحل بك فلم تجد حبيباً يَفتح لك بابه ليقيك من المطر غير نفسِك وجوهرُك ودينُك ، نجران أصبحتَ في موقفٍ لا تحمد عقباه !، نجران قرأت مثلاً في كتاب كليلة ودمنة ، ورأيته شبيهاً لما نزل بك يانجران ، فكأنكَ نجوتَ من خوفِ فيلٍ هائجٍ إلى بئر فتدليت فيه ، وتعلقتَ بغصن ، فوقعت رجليك على شيء في طيء البئر ، فإذا بها حيّاتٌ قد أخرجن رؤسَهن من أحجارهن ، فنظرتَ لقعر البئر فإذا في قاعه تنينٌ فاتحٌ فاه ، منتظراً وقوعك ، فرفعتَ بصرك إلى الغصن الذي تعلقت به ، فإذا بجرذانٍ تقرضه دائبين فيه لا يَفُترون أبداً ، فبينما أنت في هذا الموقف تَنظر لأمرك كيف تَظفر بالنجاة ، فإذا بك تُبصر كُرةً من عسلِ نحل ، فذقتهُ وإنشغلتَ بحلاوته وألهتكَ لذتُه عن التفكير في شيءٍ من أمرك وإلتماس الخلاص لنفسك ، فالفيل الهائج كان تهمةَ الخيانة ، والحيّاتُ كانت المذهبية ، والتنين كان رداتِ فعل العدو ، وأما الغُصن الذي تعلقت به !. فكان يانجران ! فكان يانجران ولايتكَ ودينك وقِبلتكَ ونهجُ أبائك في طُهر القلوب وقو العقيدةِ والرجوع للمثل الأعلى وقائدنا ، وأما الجرذان فكانوا من يطبلون لك بالشجاعة والموتِ بلا عقلٍ وسبب ، وكان العسلُ زجُّ إسمِك وتَسطيره ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، فحينما يُقال بعد مئات ومئات ومئات السنين : نجران أحرق المساجد وقتلَ الأبرياء والأطفال والأضرحة في سبيل الثأر لبنيانٍ مرصوص ، فآهٍ ثم آهٍ يانجران فما أصبرك على البلاء والمحن والظلم والشقاء ، ولكني مُتيقنٌ تماماً ، بأن الله ناصِرُك ما إن نَظرتَ لأمر الجُرذان أولاً ثم تمسكتَ بغصنِك بكلتا اليدين ، وصمتَّ وعلمتَ بأن الحكمةَ مِفتاح كُل نجاةٍ ونصرٍ بإذن الله تعالى فعليك السلام يانجران فأنت ومنك السلام يادار السلام فإطلب السلام يانجران ، فأنت قدوةٌ لأهل الأرض والسماء في السلم والبهاء ، فكم كنت قوياً وسمحتْ ، وكم كنت منتصراً وإنسحبتْ ، وكم كُنت مظلوماً وصمتّ ، وكم كنت معذباً فقفزت في النار بكل فخرٍ وشجاعة ورضيت بما يمليه عليك قلبك حينما علمت بأن الموت هو في سبيل دينك ، فالأرض تُزرع ، والبنيان تُعمر ، والفقر ينجلي والظلم ينعمي ، والدين ينقضي ، لكن الأرواح غالية ، ولك في سالف الوقت والزمان ، عبرة فأقرأ التاريخ لتعلم بأن أولياء الله لم يلقوا بأنفسِهم وأهلهم إلى التهلكة ، وهذا ما أحببت أن أحدثكَ به يانجران فأنت قبلتي وقدسيتي تكمن في إسمكَ ورسمكُ وصوتكَ وجسمكْ ، والصلاة والسلام على محمدٍ واله الطيبين الطاهرين وعلى الائمة من أولاده الغر المحجلين نسل النبوة الهداة الراشدين ، عروتنا الوثقى وسفينتنا الكبرى ، التي ستنجينا من بحر الظلال والظلام ، وحفظ الله دعاتهم دعاة ال محمدٍ وسدد خُطاهم وثبتنا وإياك يانجران على طاعتهم وإلتماس رضاهم وآرائهم ، والمثول لأمرهم والحرص على نصحهم والإتقاء من حر الشموس الحارقة تحت جُنحانهم

                                                                    بنج